بكتيريا طفشــانة...
افتحوا الطريق .. إسعاف .. افتحوا الطريق ..
إسعاف .. يا عمي افتحوا الطريق للممرضين , يا عمي ابعدوا عن البوابة .. بسرعة يلا
بسرعة .. عمليات عمليات دخلوه غرفة العمليات ..
يا الله شو اللي جابني هون ! ما أنا مكيفة
عندكم في البيت ! يعني كان لازم تمرض حضرتك !!
أمرها كل أمرها خير , لا يعنيها أكانت على جسم
بشر, أم على كومة نفايات على قارعة الطريق, أم في مستشفى الشفاء مثلاً .! تؤمن
بالقدر, ولديها من القناعة ما يكفيها؛ لكي لا تفكر في تغيير نمط حياتها المتطفل ,
هذي وظيفتها , خلقت لأجلها , راضية بها , تتمها على أكملِ وجه ؛ لكنها اضطرت الآن
لتغيير مكان حياتها بعد أن خلع المعيلُ ثيابه عن نفسه , آن لها أن تبحث عن معيل
آخر , هي الآن في مستشفى الشفاء , حملها على ذلك مرضُ صديقها الطيب سلمان , تتطاير
مع نسمات الهواء , تغادر قسمَ الاستقبال , وتسوقها الرياح في جولة سريعة, تشاهد
فيها جدرانَ تصطف عليها بعضُ ألواح البلاطِ غير المتناسقِ شكلاً والمتآكل
بعضه والمستاقط أحيانَ كثيرة ! وألوان دهانٍ مرت عليها عشرون عاماً, وكأنه
لم يتبدل لمرة واحدة ! مصفرٌ يوحي بكآبة المكان , يبدو أنها ستعشق مكانها الجديدَ
هذا !.
تحمد الله على خروجها من غرزة الاستقبال , وتسأل
الريح إلى أين تأخذيني ؟! هناك ..! لا أرجوكِ ألا تَشْتَمِّين الرائحة ! رائحة
أمعاءٍ فارغة ! تباً لهذي الزيارة , إنه قسم الباطنة ! ألم يصل لهم اختراع المعطر
بعد ؟! في أيِّ عصرٍ يعيشون ؟ أوه ! آسفة لم يخطر في بالي أنهم في انتظار تبرعات !
شكراًً أيها الإعلان , لو كنتَ حياً ما احتملت الوقوف هنا ! كان الله في عونك . ما
هذا البناءُ الضخم ؟! يا لشكله الرائع , إنه مطلي تماماً بأجود أنواع الدهان ,
تبرع من دولة كذا ! جعله الله في ميزان حسناتهم , يبدو أنه مبنى الإدارة ! لا لا إنه مبنى الأورام السرطانية .. إلهي إني
أعوذ بك من شرها وسوء أمرها , ولكن لماذا يختلف في بنائه عن الأقسام الأخرى ! كيف
هو من الداخل ؟ أوه ماذا تسوقون أمامكم ! هل مات ؟! لماذا لا تجيبون ؟ يبدو أنه
ميت , لا تخبروا أهله رجاءً , حاولوا أن تتلطفوا في إبلاغهم الأمر, هل أعلمكم ؟ لا
كما تشاءون !
لا أفهم لماذا يعامل الموتى بأفضلية من الأحياء
؟! حتى في حسن سيرتهم ! ما أن يموت المرء حتى يصبح ملاكاً وقبيل لحظات " لا
بارك الله فيه ! ". ابتعد عني يا هذا , إلى أين تسوقني بحذائك الضخم ؟ إلى
غرفة العمليات ! يا له من أمر مدهش , سأشاهد أجهزة طبية وتقنيات عالمية , لماذا
تخلع حذاءك ؟ فهمت " ممنوع الدخول لغير العاملين " ! , إذن سأبقى هنا في
انتظارك , من أنتم ؟! كيف تدخلون الغرفة ؟! ألا ترون الإعلان " ممنوع الدخول
" .. يا لجرأتكم ! تتحدون الطبيب وهو يقول لكم ارجعوا ! المكان معقم ! هههـ إلا
من الجراثيم !.
إنه سلمان .. صديقي سلمان ! أنتَ هنا ؟ يا لحسن
الحظ ! سأشاهد عمليتك بعيني ! أيها الطبيب إني آمرك أن تهتم بأمره ! إياك أن تنسى
المشرط أو شيئاً من القطن في جوف بطنه ! مهلاً عليه ! أعطهِ المخدر ببطءٍ كي لا
يتألم ! نعم أحسنت , لماذا ترتجف يدا هذي الممرضة ! إنها متدربة ! ويحك على جسم
صديقي تتدرب ؟! أوقفها , أخرجها من هنا ! لا بأس إن كانت بعيدة عن صديقي , اجعلها
تشاهد فحسب ! إياك أن تشارك في العملية ! اترك الهاتف الآن وأكمل عملك , إلى أين
تخرج وصدر صديقي مفتوح ! توقف .. توقف ! أنتِ ابتعدي عنه , لا تلمسي الإبرة ,
ابتعدي عنه .. هيا ابتعدي .. ويحك ماذا تصنعين ! ارتفعت نبضات قلبه ! وزاد تدفق
الدم من جسمه ! طوارئ أين الطوارئ ؟!..
خذوني معه إلى الثلاجة , أرحم من غرفتكم هذه ..
لا تسرع بنا ! لسنا قمامة أيها السائق , مهلا لماذا السرعة ! سأسقط على الأرض لا
تسرع ! لا رحمة في مشيكم حتى !. إنه قسم الولادة يجاور ثلاجة الموتى مولدة الضجيج
في أنحاء المستشفى والحي المجاور ! فكرة من هذه ؟! عفوية جاءت ! مقارنة جميلة بين صف السواد ذا وذاك المكان
المضيء ! بين الصمت القاتم هنا , والصراخ الزاهي هناك .. هم يضحكون والمولود يبكي
.. يبكون هنا والميت في سكون ! ألا يعلمون أنه كان ميتاً يوم ولد ! أظنوه خالداً
ففرحوا ويوم مات عمهم الحزن والغم !. يا
قطة تعالي أترين تلك الكومة ! إليها خذيني ..