اليوم
الأخير ..!
هل
بدا يوماً عادياً ؟ أم كان مملاً محبطاً كئيباً كالعادة ؟! والعادي والعادة
يفترقان في يومنا هذا, إنه كالعشاء الأخير يوم قُتل النبي عيسى وما قتلوه أو صلبوه
؛ لكنهم عن دعواه قد نفروا وبدينه كفروا, أما جامعتي فقد آمنت وما نصرت أو انتصرت
وذا يعفيها من سيل الاتهامات الذي أكنه لها في يومي الأخير !
أقول
وأسأل وقد تمنيتُ في أواسط المرحلة الجامعية أن أرى أو أعرف أوأطلع على الطريقة
التي ينظر فيها " الدكتور/ة " إلى أوراق الامتحانات وبأي طريقة يُمكنهم
تصليحُها خاصة أن المواد الأدبية ترجع إلى النسبة في القياس والتقدير, وتُمنح
الدرجات بناءً على حسن الخط وجمال التعبير! ؛ لكني والحمد لله رأيت وتعرفت على
آلية لا أعرف حتى الآن تفسيراً لها أو تبرير !
ما
يهم من مقالي هذا بيان صورة لم تخفى عني طيلة أربعة أعوام في جامعتي التي إليها
أنحاز وبها أفتخر " الأزهر – غزة " ومن حرصي عليها واهتمامي بها أذكر ما
حدث في اليوم الموافق لـ 25-9-2012 .. حيث كان فرصتي الأخيرة للتسجيل في حفل
التخرج " فوج الهوية والانتماء " أي الفوج السادس عشر , ولقد حالفني
الحظُّ كثيراً فيه حيث تمكنت أخيراً من التسجيل وتحققت أمنيتي بالتعرف على الآلية
التي يرصد بها " الدكتور/ة " الدرجات .
بعدما
تأخر الدكتور " فلان " بتصليح أوراق الامتحانات لمدة تزيد عن الشهر
كاملاً إما بحجة السفر أو أنه لم يأتِ بعد ! هكذا كان يجيب مدير الكلية نيابة عنه,
لم يكن هناك مجالٌ بعد أسبوع من المراجعات والانتظار العقيم إلا أن أجلس متربعاً
في ساحة مبنى الكلية يائساً منها في اليوم الأخير للتسجيل وأقول لهم إنها الساعة
الأخيرة, إنها الدرجة الأخيرة, تخرجي من الجامعة متوقفٌ عليها ولا ألمس إلا
تعاطفاً من ذا الكريم وذاك, فذا يقول إنك غائبٌ يوم الامتحان ودفتر الحضور يثبت
عكس ذلك ! ويبقى الأمر معلقاً حتى يجيء الدكتور ! إلى أن مرَّ بنا أحدهم بدرجة " دكتور " ينظر لي متعجباً
ويقول قم من جلستك هذه إنها عيبٌ عليك ولا يصح أن تجلس هكذا وهل تحسبُ نفسك في أي
مكان وصوته يعلو كأن مصيبة حلت به ! فأجبت قائلاً أنا في جامعة والعيب من فعلكم
يظهر ! لعلّي أخطأت ولكلينا عذرٌ صريح بعد مشادة قامت بنا لولا تدخل رجل كريم
" أ. سمير العوضي " مدير قسم اللغة الإنجليزية في الجامعة حالت دون
استدعاء الأمن الجامعي, استفسر عن أمري واتصل فوراً بالدكتور الذي مراراً أجل
مجيئه وهو يقول غداً وغداً ؛ لكنه هنا توقف وقال أنا الآن آتٍ من البيت في مدة
الساعة والنصف بعدما وضح له إلى أي حدٍ وصل الأمر بي وزميله الدكتور ..
قيل
رُبَّ ضارةٍ نافعة ! وأنا أقول ربَّ عقدةٍ تحلها مشكلة والحمد لله التزم الدكتور
بموعده مع تأخير 15 دقيقة, لا يهم ما تأخر؛ لكنه جاء في النهاية وفتح درجَ مكتبه وأخذ
يقلب دفاتر الإجابات وقلبي يتقلب ألف مرة مع كل دفتر, إنه هنا والحمد لله ! الثالث
قبل الأخير, إذن أنا حاضر والإجابات هنا ! أينَ ذهبت الدرجة ؟! وكيف قيل إني غبت
عن الامتحان ؟!, أعاد الدكتور تقليب الدفاتر مرة أخرى يقارنها بسجل الأسماء والحاضرين
يوم الامتحان ! ؛ ليتبيّن أن خطئاً ما حصل وتبديلاً في الدرجات كان بيني وبين طالب
غائب ! هو لم يتقدم للامتحان وينجح ! وأنا أغيب نيابة عنه في سجل العلامات ؟ كيف حدث ؟! كيف حدث ؟!
سألتها
في نفسي وسألها الدكتور في تمتمات شفتيه, وقال انتظرني هنا وقضى وقتاً في مكتب
عميد الكلية يُعد كتاباً بالخطأ الذي حصل وهو أمر ممتاز إدارياً وكان الأسهل طرقاً
جانبية تؤدي لنتيجة ممتازة ومريحة ! لكنه اختار الطريق الصحيح رغم طوله ونوع
المسئولية التي ستقع على عاتقه ! كفاه الله شرّ القتال . أنهى الدكتور كتابه
للعميد وأمهلني يوماً واحداً لتبديل العلامات وتصويب الخطأ لأنَّ وقت الدوام
الجامعي بدا أنه انتهى في تمام الثالثة عصراً متعهداً لي أن العميد قد توصى بهذه
الورقة ولن يكون هناك أي إشكالية في تخرجي .
في
اليوم التالي تعمدتُ المجيء للجامعة متأخراً كي تكون الإدارة أخذت وقتها الكافي لتعديل
الدرجة حتى يتسنى لي التسجيل في حفل التخرج أو حتى الانتهاء من الساعات الجامعية ؛
لكنَّ هذا لم يحدث, فالعميد مشغول في مكتبه مجتمعاً بأعضاء اللجنة التحضيرية لحفل
التخرج, ومدير مكتبه جالسٌ يجيبُ سؤالي أن الورقة في انتظار توقيع العميد, كما أنه
قد طلب مني الانتظار خارج المكتب, الأمر الذي رفضته وما قبلت الخروج حتى جاء
العميد بطلب من الآذن في مكتبه وبعد خذ وهات بلغة خشنة قال لي انتظر بالباب, لمدة
نصف ساعة تقريباً والوفود داخلة إلى المكتب ومنه أخرى تخرج ومع الأخير منها يخرج
العميد إلى موقع الاحتفال .
يبدو
أنه وقّع الأوراق وبذلك أجاب مديرُ مكتبه ولكن كيف للأوراق أن تصل دون مراسل
الكليات ؟ إذن أين مراسل الكلية ؟ هل سيجيء الآن ؟ متى سيجيء ؟ ومدير مكتب العميد
ينفي بدون أي شعور بالمسئولية قد يجيء وقد لا يجيء اليوم ! وبدأت عملية البحث عن
المراسل شاكراً صديقي إبراهيم أبو جميزة على مجهوده في عمليات البحث المتواصلة,
والحمد لله رآه ودلّني على مكانه حيث كان عشرات الطلبة ينتظرون خروج عميد كلية التربية
من مكتبه لطرح مشكلاتهم والمراسل منتظرٌ كذلك , لم يجب طلبي بالحضور الفوري إلى
عمادتنا وأخذ يتنقل بين المكاتب ليشرب كاسة شاي هنا وسيجارة هناك ؛ كذلك بيّنت
الأمر للدكتور " فلان " وقلت له إن الأمر سيطول على هذا الحال, فيقول لي
" اذهب إلى آذن الكلية وخذ له علبة سجائر فتجد عنده الحل ", لم أصدق ما
سمعت أبداً وطلبتُ منه على الهاتف توضيحاً " أتقول علبة سجائر للآذن ؟ "
نعم علبة سجائر للآذن فيها حلٌّ المشكلة ..
لم
يكن من بدٍ إلا الذهاب للآذن وبكل بساطة وأمام الحاضرين عنده قلت له ما نوع
السجائر التي تدخنها ؟ فالدكتور " فلان " أوصاني بها إليك لتوصل ورقتي
للدوائر المختصة في الجامعة ! بدا عليه الاحراج وعلّق أحدُ الحاضرين " إنها
كلمة السر بينكما يا حسني ", ولم يبدِ الآذن أي ممانعة وقال لي انتظر هنا حتى
يأتي مجلس الأمناء في اجتماع مع العميد نقدم القهوة لهم ومن ثم ننظر في أمرك .!
وقلتُ في نفسي" إن الإنسان هو الإنسان " بعد سلوك الرفعة والأهمية الذي
بدا به الآذن .!
وقد
تخطت كلماتي الصفحة الثالثة ووجب عليَّ الاختصار , جاء الآذن ليأخذ ورقتي الخاصة إلا أن المراسل
في نفس اللحظة كان يوقع على استلامها وبين طلب من هذا ورفض من ذاك, قررت المسئولية
نفسها وسار الاثنان بطريق قانوني خوفاً من العقوبات, ومضيتُ مع المراسل مكتباً
مكتباً وصوتي يرتفع بالنقد المصحوب بالتهكم أحيان كثيرة من الجامعة وإدارييها
والأكاديميين فيها إلى أن انتهى الأمر بعد مشقة لا توصف وسفر لا قياس له أن تستبدل
الدرجة حتى يتسنى لي إكمال إجراءات التخرج والحمد لله كان ذلك يسيراً ..
أتذكر
موقفاً في مادة الإعلان وأتساءل كيف للدكتور أن يعطي نفس الدرجة 8/10 لاسطوانة
قدمتُ فيها إعلاناً مكتوباً وآخر مصمماً ببرامج خاصة, ويعطي نفس الدرجة لصديق لي
قدم له أمام أعيننا اسطوانة فارغة ! ويحرم صديقاً ثالثاً في نفس اللحظة من أي درجة
كانت لأنه لم يقدم أي اسطوانة ! قل ساء ما كنتم به تحكمون !
في
الخاتمة أقول إن حفل التخرج الرائع الذي قدمته جامعتي كان لائقاً بها لأنها لا
تستحق إلا هذه المكانة رغم الانفلات الإداري الذي عانيناه في السنوات الدراسية
الأربعة والترهل الأكاديمي الذي يشتكي منه قسمنا خاصة في الجامعة, وأضيف إن حفل
التخرج هذا أدخل في قلبي سروراً وأملاً بأن الجامعة في طريق صحيح يرسمها أ.د. عبد
الخالق الفرا وآمل من الله أن يوفقه لما فيه خيرها وصلاحها, وأسأل ماذا لو أخطأ
الدكتور في الورقة وكتب راسباً بدلاً من غائب ؟! وحمداً لله أضحك من نفسي الآن
وأقول لقد استطاعت الجامعة أن تشتريني ببدلة التخرج وحفلها الرائع هذا !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق