الثلاثاء، 29 يناير 2013

كيف تصبح شريراً ؟ قصة قصيرة



كيف تصبح شريراً ؟!


كنتُ في زيارة على غير تخطيط مني ولا تفكير إلى مكتب العمل مقابل منتزه برشلونة, وبعد جولة بلا تصريح في أرجائه تفقدتُ فيها المكان متأملاً من إحدى نوافذه مدرسة للثانوية – بنات – فيها ملعبٌ واهتمام بالمرافق غير مسبوق في ذاكرتي التعليمية على مستوى المدارس التي تعلمتُ فيها, وتبادرت تساؤلاتٌ إلى ذهني حول المبالغ التي تتكلفها الدول من أجل التعليم, ما بين أبنية ومرافق ومعلمين وأثاث ! يقضي الطلبة مثلي أعوامهم ولا يعرفون قيمتها أو فوائدها بسبب أو بلاسبب !


هؤلاء وأنا منهم عاشوا تجربتهم التعليمية تلقائياً دونَ معرفة لماذا هم في المدرسة ؟ هل كان النجاحُ غايتهم أم كانوا ينجزون واجباتهم هروباً من غباء المدرسين وعُصِيِّهم ؟ تلك الثقافة لم تكن موجودة في شخصي, فلا أنا أحبُّ أن أكون الأنانيَ " الأول " ولا الكسول " الأخير ", إذا ما أحببت المدرس أبدعتُ في مادته وإذا ما خفته أيضاً أبدعتُ في مادته, أما إذا كان المدرسُ " ما بهش ولا بنش " لم يكن له منا إلا كلُّ البطش به والاستهزاء منه, تلكَ الطفولة البريئة التي في عامي هذا أحاول أن أسترجع بعضاً من صفاتها " بدي أصير شرير " والشرُّ الذي أعنيه أن تكونَ قادراً على أن تكونَ طبيعياً أكثر بدون خوفٍ أو تظاهر أو قيودٍ يفرضها المجتمع بعاداته وتقاليده أو الظروف بالمجهول منها والمتوقع, في عامي هذا سأكون أكثر جرأة على نفسي أولاً .


خرجتُ من زحمة المكان وحشد من الناس ينتظر, والموظفون يتحركون جيئة وذهاباً في روتين قاتل لا يعرفون وجهة لهم, ويممت إلى متنزه " برشلونة " القريب من المكان الخالي من الناس إلا قليل, فتاتان على مقعد في زاوية بعيدة وشاب على الناحية الأخرى يمسكُ جواله متصفحاً الفيسبوك لأنّ الكهرباء مقطوعة عن منزله وفي المنتزه شبكة عامة للانترنت قال لي هذا بعدما سألته, وأم تمسك طفلها على أرجوحة تلاعبه ويضحكان, ثم بالمشهد الذي كثيراً ما غضضت بصري عنه أمام التلفاز بحضرة العائلة وأحياناً من الخجل أغادر الغرفة إذا ما كان في المادة المعروضة بوادر توحي بقبلة قادمة ! أو أخذٍ بالأحضان, هذه الجرأة في نصي هذا لهي مقدمة للشر الذي أتحدث عنه في عامي هذا ! جميعنا شاهد أغنية لفيروز "نسيتها" والمشهدُ عالقٌ في ذاكرتي عن طالبة في الثانوية تلقي ورقة لشاب أحبته على زاوية الطريق !


 سمعتُ كثيراً عن تجارب قريبة مني ولم أصدق حينها ! هو المشهد ذاته يتكرر الآن أمام عيني ! شابٌ يجلس على مقعدٍ في زاوية الحديقة وبعد دقائق, تأتي فتاة تحمل كتبها المدرسية وتنظر بملء عينيها يميناً وشمالاً باحثة عن هدفها المنشود ! وأنا أتأملها من بعيد وأرقبُ ابتسامتها وهي تتجه صوبه – شعرتُ بالسعادة لأجلهما – وتأملتُ المشهدَ من بعيد حتى جاءَ طفلان إلى ملعب الحديقة وأنا جالسٌ على مدرجاته, يبحثان عن كرة, فجمعا اثنين من الشواكل كي يشتريا كرة بلاستيكية وأخفقا حتى وقت قريب, جاء بعدهما طفلان بدا عليهما اليُسر والرفاهية ومعهما كرة, وكانت مغامرة جديدة أن تلعب والخوف يملأ قلبك أن يسقط الجوال أو الكاميرا أو يتمزق البنطلون وهذا الأسوأ ! ولو أني كنتُ أفكرُ بعقليتي الطيبة ما كنتُ لألعبَ مع أطفال خوفاً من نظرة المجتمع واستهزائهم وسخريتهم !

الأشرار لا يكترثون بما يقول الناس ولا يهتمون لعرفٍ هناك أو عادة هنا, وهذا ما سأفعله بعد لحظات, تابعتُ اللعب مع الأطفال محاذراً من سقوط الجوال أو تمزق البنطلون ولي تجارب سابقة عملتُ جهدي كي لا تتكرر, فإذا بصاحب الفيسبوك يتشجع ليشاركنا اللعب بكرة القدم تارة وكرة السلة مرة أخرى حتى صارت الساعة الثانية بعد الظهر واضطررت للمغادرة ؛لكن !


جالت في ذهني فكرة شريرة, لماذا لا أذهب إلى الصديقين " الشاب والفتاة " هناك ! أسألهم وأستفسر عن أحوالهم وعن الطريقة التي اجتمعا بها وإن كانَ هناكَ تساؤلات تخيّب ظني وتفسد عليّ فكرتي ! ماذا لو كانا مخطوبين ؟ لو كانا قريبين ؟ لو كان هذا صحيحاً ما كانا ليجتمعا بهذه الطريقة ! إنها فرصة لي أحاول من خلالها أن أعرف أكثر وعن كثب ملامح هذه التجربة وأسبابها من خلال السؤال المباشر ! بدلاً من الخجل أمام التلفزيون أو إشاحة الوجه ساعة اللقاء أو غض البصر ؟ وفعلاً هجرتُ هذه التساؤلات وتركت التفكير في الأمر واتجهت ناحيتهما ووقفتُ على بعد مترين تقريباً وألقيتُ عليهما التحية وأشرتُ للشاب أن يأتي إليَّ لأقول له كلمة خشية أن أتسبب له بموقفٍ محرج أو مخافة أن يعتبرني من الأمن الداخلي, ثم عرفته على نفسي ليطمئن وأعطيته رقم جوالي رغبة مني بالتواصل معه !


لم تكن جرأتي " الشر في داخلي " كافية للخوض في تفاصيل أكثر خشية الإساءة لهما أو حذر إفساد الجو الذي لا أعلم كم من المحاولات والاتصالات والمواعدات حتى نجحا في اقتناص فرصة ذهبية للقاء في مجتمع كان محاظفاً كغزة ! هل قالت لأهلها إن عليها دروساً خصوصية وقد رأيتُه يقلّب صفحاتٍ من كتابها ! ثم فضّلتُ أن أتركهما على حالهما والابتسامة تملأ وجهي لما بدا في وجهيهما من البراءة وصدق المشاعر, وإذا بي أمشي على طريق المتنزه وطفلان بدا عليهما كل آيات الشر من وجوهٍ ممزقة وملابس توحي بحالة من الطيش والانفلات يسمعانِ أغانيَ صاخبة بألفاظ تخدش الحياء وهي ظاهرة جديدة بات الكبار والصغار يسمعون لها " يا بنت يا مزّة ". ثم نظرتُ إليهما وقد خارت كلُّ قوى الشر في داخلي وتمنيتُ لهما حياة سعيدة ..




السبت، 26 يناير 2013

الآن يفارقنا - قصة قصيرة / محمد صيام




الآن يفارقنا

 http://www10.0zz0.com/2013/01/26/17/421962676.jpg

ها هُمْ يرفعونَ عني الأجهزة, الآنَ يتوقفُ النبضُ وهذا النَفَسُ المصنوعْ , وذا الطبيبُ يغطي وجهيَ دونَ ارتباكٍ أو حتى قشعريرةٍ كالتي أصابتني حالَ سمعتُ الخبرْ,  يقولُ بيُسْرٍ لذويَّ : الله يرحمه , البقية في حياتكم ..

علا الصراخُ صالةَ الاستقبالْ, وهُمْ ينظرونَ إليَّ على سريرِ المرضى ذاهباً إلى ثلاجةِ الموتى, تلكَ الثلاجةُ ذاتُ الشهيقِ والزفيرِ المرعبْ, هناكَ خمسةٌ مثلي لم يتجاوزوا الثلاثينَ مِنَ العمرِ ورجلٌ تخطى به العمرُ مائة سنة, وعجوزٌ لم تنجبْ إلا شقاءَ خمسٍ وخمسينَ سنةٍ, لا أولادَ لها !.

جضر جميعُ الأهل إلى المشفى والدموعُ تغرقُ عيونهم, والنساءُ يلطمنَ خدودهنَّ ويصرخنَ من هول الفقد وألم الموقف , كأني رأيتُ هذا من قبل؛ لكني لا أتذكرُ, أينَ ومتىْ وكيفَ ؟ إنه الموقفُ ذاته !, هذه أمي تصرخُ عليَّ وتلطمُ وجهَهَا وتمزقُ ثيابيَ وتغسلُ وجهيَ بدموعها .

كنتُ أعلمُ أنها لنْ تسمعني, ولا أحداً منهم يقدرُ على ذلك, ها قد أعادوني مرة أخرى إلى الثلاجة, وأنا أشعرُ بتآكلٍ في جسدي, شيءٌ ما غريبٌ يمشي على جلدي, آآه لا أستطيعُ تحريكَ يدي ولا دفعه عني ! ما أقسى هذا البرد, يا ويحكم من أذنَ لكم بإدخالي هنا ؟! أنتم أيها الجيران , مذ متى وأنتم هنا ؟ أنتم لا تجيبون أيضاً ! ويلاه . ما الذي يحدث هنا ؟ أنت أيها الطبيب مرة أخرى ؟ إلى أين تأخذني هذه المرة ؟. إنهم يمشون بي إلى منزلِ والدتي,  ثم أدخلوا عليَّ رجلاً ما رأيته من قبل, ذا لحية بيضاء ووجهٍ مبتسم , أمسكَ الماءَ بيديه وأخذَ يغسلني بطريقةٍ ما تشبهُ الوضوء, وألبسني ثوباً أبيضَ, لا نقشَ فيهِ ولا لونْ, ها هم أقربائي وأصحابي يلقون علي نظرتهم الأخيرة ويودعون جسداً كان حياً قبل الآن, ودموعُ أعينهم تنهالُ على وجهي .

لم يسمعوني وأنا أقول لهم كفى بالله عليكم وأهزأ من حالهم هذا, حال الذين لا بدَّ لاحقين بي عاجلاً أم آجلاً, كما كنا من طين نعود إلى الطينْ , حملني بعضهم إلى سرير خشبي, وساروا بي إلى أمثالي السابقين , الآن منهم أنا, دون مرض ولا علة , دون سقم ولا سبب, من يدري أن هذا كان موعدي وقدري المؤجل المحتوم !, أدهشني عددُ القبور في هذه البريِّة , يا إلهي ! كلُ هؤلاء قد ماتوا ! كلهم قد عاشوا مثلي ؟