الثلاثاء، 5 فبراير 2013

دائماً نعم ثمَّ تقولُ لي : لا



دائماً نعم ثمَّ تقولُ لي : لا

 قالوا: إن لكلِّ بداية نهاية ! وتحدثوا عن البدايات فأوجوزا: كل بداية صعبة ! وقيل: المهمُ أن تبدأ ؟ ولكن كيف ؟ ومتى تبدأ ؟ .

هذه الأسئلة راودتني في عامي الـ22 بحثاً عن إيجابات لها في بحر من الاختيارات, كانَ لازماً عليَّ فيها العودة إلى الماضي البعيد مروراً منه إلى حاضري الآن؛ لأكونَ قادراً على وضع قاعدة ما أنطلق منها إلى أكثر مراحل حياتي خطورة وجدية, أستحثُّ فيها ذاكرتي لتفرج عن مخزونها من الأحداث الهامة والمواقف المؤثرة والأفكار العالقة والموضوعات التي اختزنتها في مراحل أوزعها على ثلاث : 1- الخضوع 2- الاستقلال 3- الاندماج ..


أولاً: مرحلة الخضوع : وهي مرحلة يتشارك فيها معظم الناس- إن لم يكن كلهم – تحُدد لهم ما يجب عليهم من تصرفات وما ينبغي لهم من أفعال, وصولاً إلى حاجز الحلال المباح والحرام الممنوع!


في هذه المرحلة وأنا الطفل الهادئ المهذب الملتزم بقيم المجتمع وأخلاقياته في حدود ما يفرضه من محظورات في أسرة لا تلزم نفسَها أكثر من التوجيه والنصيحة, ومسجدٍ لا يكف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومجتمع تتفاوت الأولويات عنده وتتماهى المحرمات ما بين الاتجار بالمخدرات والسلاح والرقص في الحفلات العامة على أنغام الموسيقى الصاخبة والنكات الجنسية والمغامرات البطولية, في غياب قانون ملزم سوى"العنترية والعائلية" في ظل ضعف للسلطة الحاكمة ونمو للحركات الإسلامية, بحمدِ الله كان لي فرصة النظر للكل من زاوية تفرضُ نفسها عليَّ لكي أكونَ جزءاً من حلقات تبارك في المسجد وأحيانَ أخرى في حفلاتٍ صاخبة هنا أو هناك, وأحد الزائرين لهذه " الغرزة" أو تلك والأطفال دائماً يستعمون ولا يشاركون ويشاهدون ولا يندمجون, تلكَ حكايتي !


وتعودُ بي الذاكرة لأسأل عن عدد الأشرطة التي كسرتها بعدَ خطبةٍ لشيخٍ يؤكد فيها حرمة الأغاني وكم من مسجل كان مصيره إلى فتات ! ومن يذكر حملات استبدال أشرطة الأغاني بالأناشيد ؟ والاختلاف حولَ شرعية العمليات الاستشهادية وحرمتها ! هل كانت انتحارية ؟ من يعلم كم من المسيرات التي شاركنا فيها لتعزية عائلة الشهيد فلان ! كم أثّر في طفولتنا مشهد أم نضال فرحات وهي تودع ابنها ؟ كم هتفنا في المدارس " تحية للكتائب عز الدين" كم استهزأنا بسرايا القدس وكم سخرنا من فتح الكافرة ! كم قلتُ إني من الغدِ سأصلي ليلة اجتياح " عائلة أبوهين " أين كانَ الشيطان حينها ؟ لماذا قررت أن أهجر الأغاني وألتزم الصلاة في المسجد ؟ هل تختفي الشياطين في حضرة الخوف !

تماماً مثلما تختفي هذه الأفكار في حضرة الآخرين ! وأنتَ تعرف رأي الاثنين في بعضهما وقد أسرّاه لك, رغم ذلك يبتسمان أمامك في لحظة جمعتكم صدفة وتضحكُ في نفسك وتستفسر ما الذي تغيّر ؟ هل لأنَّ الأفكار التي يتشربونها لا تنطبق في واقع المجتمع ؟ أم لأنَّ الباطل في حلقات التعبئة والإرشاد فقط ؟ لكل جماعة منهم منهجٌ ترى الأخرى على باطل أو قد ضلّت الحق !


ثانياً: الاستقلال: تحضرني الآن كلمة "مش فاضي" وأضحك الآن ! كثيراً ما تسببت لي هذه الكلمة بالمشكلات في محيط الأسرة ! وهي تعني أني غير مهتم ولا وقتَ عندي لأي نشاط عائلي أو عمل داخل الأسرة لا يعود بالنفع المباشر علي وحتى هذه مشكوك في أمرها إذ أنَّ أمي يرضى الله عنها تحمل همّها, لدرجة وصلتُ فيها إلى الحد الذي يكون المنزل فيه بقمة الفرح أو الحزن أو شجار وصلَ ذورته وأنا أمام شاشة الحاسوب أو في كتابي دونَ أي مبالاة أو اهتمام؛ لأنّ هذا الأمر لا يعنيني! وهذا على مستوى الحي والأصدقاء, على مبدأ " هذه مشكلتك لا مشكلتي" يالإضافة إلى تجنب المشاركة بأي أنشطة اجتماعية من زيارات أو مناسبات مثل حفلات الزفاف أو بيوت العزاء, وقد بدأت مرحلة انطواء بدءاً من الأول الثانوي وأذكر بعضاً من ملامحها وأسبابها أني تعرضتُ لمواقف شدّت تفكيري بشكل رهيب وسيطرت على ذهني دونَ حولٍ مني ولا قوة ! كانت من أهم أسبابها هذا العالم الجديد " الانترنت" بمختلف أشكاله, الشات, البالتوك, السكاي بي, الإلحاد والمعتقدات الدينية والمذاهب الفكرية ما بين علمانية وليبرالية وراديكالية أصولية, والأفلام الجنسية والعادة السرية التي كان البعض يتغنى بها في فصول الثانوية ويتعازم الأصدقاء عليها ويتفاخرون فيما بينهم, هذا ما جادت به الثانوية عليّ ! وصلَ الأمرُ أحياناً لإنكار وجودي وأسبابه, فكم من مرة قلتُ لأمي متسائلاً هل أنتِ أتيتِ بنا ؟ أم جاء بنا القدر !

هذا المخاض جعلني أكثر انجذاباً إلى ذاتي تزامناً مع المرحلة الجامعية والتي وسّعت مداركي, فكثيراً ما سمعتُ عن الشاب العاشق وفتاة الموضى والناس "الفري Free" وعن مخاطر الاختلاط وفوضى الانفلات, وكل هذه الأوصاف لم تكن تثير فيّ إلا الرغبة بالتجربة والاكتشاف ! وكانت فرصة لي أن أعرف هذا العالم المحفوف بالمخاطر وأن أتعرف عن قرب على كلِّ شيء؛ لأثّبت بعضاً من الأفكار التي ورثتها أو اكتبستها من محيطي الأول, وقررت حينها أن تكونَ التجربة هي الفصلُ والحكم دون أي افتراضات مسبقة, متنازلاً عن كل المبادئ التي عرفتها وكل المقاييس التي تعلمتُها ! لن أقولَ هذه بلا حجاب فهي بلا أخلاق والعكس كذلك, تلكم تجاربكم ولا تعنيني, من حقي أن أرى وأجرب ثم أفكر وأختار وأقول من بالنسبة لي على حق ومن على باطل ! لا يعنيني أنَّ مصافحة المرأة تنقض الوضوء ما دام المرء لا يصلي ! وقد استطعت في تجربتي هذه أن أكون على حياد تام واكتفيت بالمشاهدة والقياس !

حاولت التخلص من قيد الألوهية وإثبات الذات وإنكار الدين وترسيخ الواقع ونفي العادات والتقاليد والامتناع عن كل ما هو متوارث ! ولعلّي حاولتُ في جانب العادات والتقاليد ووضعتُ أفكاراً بديلة لتنظيم حياة المجتمع من ميلاد الإنسان حتى موته ! وراودتني أفكار مثل إلغاء بيوت العزاء وأن تتولى المشافي مهمة دفن الميت بعيداً عن أهله وأقربائه مثلاً, وفي قوانين الزواج لماذا لا تكون العلاقة حرة بين الذكر والأنثى طالما اجتمع بينهما شرطُ القبول ! لماذا يكون الطلاق نهاية حياة بدلاً من انطلاقة جديدة وتجربة نوعية للمطلقين ! لماذا يكون الزواج مصيري ؟ ألا يمكن أن يتزوج المرأ/ة مرة واثنتين وثلاث! ماذا يضر إذا تزوجا ولم ينسجما مع بعضهما أن يتطلقا ويجربا محاولة أخرى وأخرى ؟ وهل يكون الإنجاب للزوجين غالباً عن جهل أم تفكير ومصلحة ؟ ولماذا لا تكون العلاقات بينَ الناس قائمة على الصراحة والمكاشفة بدلاً من قانون المجاملات " أنا لا أكذب ولكني أتجمل" لماذا نخفي الحقائق عن بعضنا البعض ؟ لماذا لا نعترف بالواقع ؟ لماذا نتجنب الخوض في عيوبنا ونقصنا ! هل ندّعي الكمال ؟, كم كرهتُ هذه الأخيرة حيث يكون الكلام في وجود الشخص المقصود سلبياًً تماماً في حالة لم يكن موجودا !


ثالثاً: مرحلة الاندماج : لاحقاً " باتَ أمراً طبيعياً " 

هناك تعليقان (2):

  1. لأ مش طبيعي .. الغلط موجود و الصح موجود ولما نهتدي للصح ونقتنع فيه ونلتزم فيه بكون واجب علينا نتحمل مسؤوليتنا اتجاه الواقع ومجتمعنا صحيح الطريق طويل و بده جَلَد ومش رح نغير العالم مرة وحدة إنما خطوة خطوة نبلش بأنفسنا بعدين بالناس اللي حولينا و شوي شوي بنوسع الدائرة و هية بتتوسع كمان زي م الشر بعدي الخير بعدي كمان وهاي مسؤولية رح ننسأل عنها يوم القيامة .. جعلك الله سببا بالخير لتغيير مجتمعك نحو الافضل

    ردحذف