الأربعاء، 19 يناير 2011

ثورة المستعمر ونظم التغيير

ثورة المستعمر ونظم التغيير

تستهوي الكثير فكرة ما, بأن الحرية شيء ممكن اكتسابه , وغيابها عن مجتمعاتنا هو العلة في تأخرها, علمياً وصناعياً وسياسياً , وغالباً ما يسوقون فكرة الأنظمة العربية الاستبدادية والديكتاتورية كعائق أمام النهوض بحال الأمة, وأن الواجب خلع هذه الأنظمة وإنهاء نمط الحكم مدى الحياة, تلك الفكرة التي راودتنا عن نفسها وشغلتنا عن مستلزماتها واحتياجاتها العملية, وأخذ بعضنا فيها محمل الجد, بحمل اللافتات المناهضة لأنظمة الحكم وجعل شغله الشاغل الظهور أمام شاشات التلفاز؛ ليبرز لنا كرهه العميق لهذه السياسات التي تحرمنا من التعبير عن رأينا, وتغلق " الفيسبوك " أمامنا, وتمنع اليوتيوب, وتقمع الحريات !,

 متجاهلين أن الفيسبوك والحرية _ بمفهومها الحالي _ صناعات غربية على الطرز الاستعمارية الحديثة القديمة _ فرِّق تسد إلكترونياً _ لا حاجة بعد اليوم للجيوش ؛كي نرسم حدوداً على الخارطة الجغرافية, بالإمكان الرسم عن بُعد ! ,
وما دامت هذه الخاصية متاحة في أجهزة الاستعمار الحديثة, وأن الدول العربية بحاجة لمن يرسم لها حدوداً جديدة, بعد فترة الرقود والاستقرار الآسن ؛ لتعيد مجدها القديم وتعلو العالم وتسوده عدلاً وحرية, كما آن أن يتركوا الحمار ويركبوا طيارة !, 
كان لا بدَّ من تخليصهم من الأنظمة المستبدة الجاهلة الحاكمة بالسيف والقوة , تلك الوسائل القبيحة المذمومة في عصر الحداثة والرقي والفخامة, كما ينبغي أن يذوقوا طعم الحرية _ مش مكة كولا _ وأن يسوقوا أنفسهم بأنفسهم !

تلك الحرية المقدسة والفاضلة, كانت سبباً غير مباشر لما حدث في تونس ولا أقصد _ البوعزيزي _ إنما وقوف من لا يستحق على جثته, وبلا أدنى كرامة يتغنى بكلمات الشابي _ إذا الشعب يوماً أراد الحياة _ وكأنهم الشعب , هؤلاء المتسلقين على أكتاف بائعي الخضار, يتناسون أن البوعزيزي لا يمكن أن يكون رئيساً ولا أظنه لو عاش سيحظى برمزية جيفارا ولا برمزية " حبة بندورة ". لكنهم يرضون أن يكونوا رؤساء ؛ بل يحاربون لأجل هذا الأمر, وهم الذين كرهوا النظام لما يزيد عن القرنين ! أين كانت أصواتهم ؟! وما مبرر غيابهم ؟! لماذا لم يكن البوعزيزي واحداً منهم ؟! ببساطة لأنهم مترفين لا يفكرون بالموت ؛ إنما يريدونها جاهزة _ السلطة _ وبكل وقاحة يعترفون أن أحداث تونس ليست ثورة جياع !, أي أن اتهامات النظام بالفساد وسرقة الاقتصاد والتسبب بالبطالة والفقر كان زوراً ؟! ويرون _ثورة الجياع _ إهانة لهذه الثورة التي قتل إثرها العشرات لأجل الحرية وأخذ أنفاس من الديمقراطية التي لطالما توهموها بأزهى لباس " المدينة الفاضلة لأهلها ".

هؤلاء يا ساسة, الذين ترونهم في هيئة الثائرين المناضلين , بخلوا بالنصح لحكومتهم وامتنعوا أن يدعو لها بالصلاح, واحتفظوا بالخطط التنموية والمشاريع الاستثمارية في جيوبهم, كي لا تنسب لابن علي !, هذا لم يكن كافياً ؛ إنما لتجذر الحسد في قلوبهم, قاطعوا النظام وأخذوا يحاربونه, وكفاه نعمة أن حافظ على استقرار تونس لسنين دون حروب أو دماءٍ تسيلْ !, ولكي يسقطوه, تعاونوا مع الغرب _ الرئيس متهم بالتواطؤ معه _ وتحالفوا معه دون وعي _ عذر أقبح من ذنب ! _  أن هذا النظام ديكتاتوري كما شاء لفرنسا وأمريكيا أن تسميه وتهنئ الشعب بخلعه ! ولم يكفهم أن " بن علي " غادر الحكم وترك السلطة _ ارحموا عزيز قوم ذل! _ أخذوا يحتفلون برئيسهم المخلوع! على دماء إخوتهم من الشعب والشرطة ..

في الوقت الذي قال فيه الشابي إذا الشعب يوماً أراد الحياة ! لم يقصد حرق المؤسسات ولا تدمير المنازل وإراقة الدماء ورجم رجال الشرطة , إنما الحياة تكون بالبناء والتعمير , وخلق المشاريع , وترسيخ المفاهيم الإنسانية القائمة على الحب والاحترام , والتماس الأعذار بين الأخوة وحمل النفس على قدر طاقتها وعلى قدر المستطاع , فلا سيء الديكتاتورية يمنع إنشاء جمعية لرعاية اليتامى أو لإطعام الفقراء , أو يحول دون بناء مدرسة أو مؤسسة اقتصادية , الديكتاتورية _ إن كانت موجودة _ ليست سيئة إلى حد بعيد إن أحسنا فهمها, أما الحرية جزء من فكرة مستحيلة كالخلود في الدنيا ووهم حقيقي نزرعه في أنفسنا, كأننا لا نحسن التفرقة بين الأحلام والواقع , 

الصين نموذج تشهد له الأرض برقيه وتطوره الصناعي العجيب الهائل , الصين وريثة الديكتاتورية ومورثتها ! هل ترغبون في دولكم أن تكون مثلها .؟ أيديكم على قلوبكم _ يا رب _ ؛ هل تظنون الغرب ملهمكم راضٍ عنها ؟! ألا تظنون أن الحرية مستعدة لحرق نفسها لقيام دولة كهذه !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق