الخميس، 2 فبراير 2012

وماذا بعد ؟



وماذا بعد ؟

مضينا في طريقنا سوياً نتهكم من زمن أعياه التأمل والتفكير وذابت فيه كل أشكال الحركة , وبدأ كلٌ منا يفضفض للآخر عما في جوفه , تارة أحلامنا باتت قريبة؛ لكن الإرادة فينا ميتة , لا تذكرني بهذا . لعلَّ الفشل يفارقنا لليلتنا هذه فقط , لكن أي تعاسة هذه التي ستفارقنا ؟ هل يهون الرفيق على الرفيق ؟ نحن رفقاء هذا الفشل وأبناء تعاستنا ! لماذا تقول هذا ؟ هل جربت يوماً أن تكون نفسك ؟! هل فكرت في تغيير نمط حياتك ؟ عن نفسي أستطيع أن أجيبك أني كنت قد قررت سابقاً تغيير نفسي , وهل أستطيع ؟ والجواب لما لا ! من ذا يستطيع أن يغير الأقدار ويعير نفسه ثياباً غير التي عليه ؟ لا تقل لي الدعاء ولا تقل لي من الصبر دواء ثم إياك أن تدعوني لألبس ثيابك أو أكون مثلك , ومن قال لك هذا ؟ هكذا قالوا , ومن الذي قال ؟ لا أدري سمعتُ أحدهم يقول إلبس على ذوق الناس !, وهل تجعل من قول أحدهم قيداً على نفسك ؟ يبدو أنك لا تريد أن تفهمني , ومن قال أني لم أفهمك ؟ الحقيقة أني أظن أن علي أن أكون مثلَ الناس في ملبسهم ومأكلهم ومشربهم وقولهم وذوقهم وفي كل شيء ! هل من قرابة تجمعني بهم ؟ هل من قيد يربطني معهم ؟ أعتقد أنك حر وتستطيع أن تختار بنفسك !, صدقاً أريدُ أن أكون نفسي ولكن نفسي لا تساعدني على ذلك , اسمع قصتي إذن ..

يبدو أن المقدمة كانت هندية بعض الشيء , تعبر عن حالة من التيه أو الضلال بين جنبات النفس, يشتد أوارها كلما تقدم السن بها, هي الآن سعيدة وعلى حافة شبابها تستذكر أطيافاً من ذاكرتها, تذكر كيف كانت في الصبا , أي شقاء كان في جوها العام وأي خجل ساد في أكنافها , أي شغب صنعته جوارحها , وأي احمرار طغى على خدها من موقف هنا أو هناك , كم من دمعة سالت في غرفة مغلقة أو على سجادة الصلاة ! كم من موقف عجزت أمامه ؛ لتنسحب بكل هدوء والحق معها ! تفكر فيما إذا كان من حقها أن تكون أو لا تكون , دائماً ما سلمت أمرها للزمن , لأنها لا تملك فكرة , لم يشر عليها أحد , لم يشرح أمراً لها أحد , كيف لا تكون خائفة من أي جديد ؟ وهي وحدها في طريقه, هي أيضاً لديها من الأفكار ما يمنعها من طلب المعونة أو السؤال أحيانا, لعل الوراثة أكسبتها هذه الملكة !

لا زالت تستذكر وتستذكر وتتساءل فيما إذا كانت هي هي؟  أم الأقدار والطبيعة ؟ أكان بإمكانها ؟ أم كل شيء كان مرسوماً في لوحها المحفوظ ؟ إلى وقت قريب كانت لا تعلم ولا تعرف رغم أنها حاولت مراراً دون جواب يُذكر , دون حقيقة تظهر , أن تكون أو لا تكون !

كم من مرة وجدت نفسها في موقف يحتاج إلى قرار , يبحث عن نصيحة , وبحاجة إلى توجيه دون نتيجة ! وكم من مرة دارت ثم دارت ولفت والتفت نحو هنا وهناك ومن وإلى وعن , وليس منها إلا تقلب الحروف ميماً مكان عين وصاداً محل سين , وهاتِ من يحل الأحاجي والألغاز, ولم تكن من النوع الذكي الخارق ولا تملك من الفطنة نوعاً ذهبياً , بسيطة في كلِّ شيء , في مظهرها وفي مأكلها وفي كلامها وقولها وفي عقلها وصحتها , ولعلها أخرت العقل والصحة لأنهما أصعب الأشياء وصولاً وإدراكاً , من يملك من صحته قطراً أو لمحة أفكار ؟ كانت تدرك كلَّ هذا رغم ذلك كانت عاجزة أن تكون نفسها !

لكن السؤال يلحُ عليها في كل وقت , وماذا بعد ؟ وأي بعد هذا الذي سيجيء , كيف لونه ؟ ومن سيكون ؟ وتتوقف عن أسألتها المعتادة , هذه الأسئلة التي ضجت بها العقول وسأمها تلاميذ المدارس , كل صفحات الكتاب تقول عنها . لا استفهام ولا تمني , هي الآن لن تنتظر هذا البعد أن يجيء, لن تسأل عنه ولن تتساءل , أدركت ماهيته واستعدت أن تكون , فكرت ثم فكرت أن تكون , لن تنتظر بَعداً مأساوياً يكون أو لا يكون ؛ لكنها حتماً ستكون راضية بما تختار وبما تصنع على أي شاكلة كان , أولا يكفي أنها صاحبة أمره ؟ وسيدة قراره ؟

31-1-2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق