الخميس، 2 فبراير 2012

اهدئي يا امرأة

اهدئي يا امرأة ..

لعلِّي وما غابت عن ذكري " لعلَّ "
تسايرني أينما الفكر حلَّ ,

يحتاج القول منا إلى دمعتين أحياناً, إحداهما تمضي مع الذكرى , والأخرى تماشي وقتنا الحاضر , تطفئ حرقته اللهيبة وتضفي على قوله طيفاً من الصدق , لعلَّ _ كعادتها _ الصدقَ يكون لديه متسعٌ لأفكارنا, لعله لا مكان له هنا , لعلي في مقالتي هذه _ أصدق للمرة الأخيرة _ ولماذا أصدق ؟ هل في المسألة حساب ! وهل أنا أقول لغيري ؟! لعلَّي أحسن فنَّ السؤال أكثر من التعليق ؟! وأكثر من التقرير غير أني _ لعلِّي مرة أخرى _ أحاول أن أظهر شيئاً ! سأتجنب السؤال هنا  ! سأعثر أكيداً على مخرج منه , لعلِّي كنتُ كثير الأسئلة !.. في النهاية ما سأقوله ليس إلا احتفالية ذاتية أخص بها نفسي ومن رغب _ ليس مدعواً  _ بالمشاركة فيها أو قراءتها , لا تثريب عليه في عامي الثاني والعشرين !

نبدأ بالدعوة , هذه أسأت فهمهاً طوال سنوات, لم أعيها في الحقيقة ولا أعرف عنها الكثير إلا أني رأيتُ من رأيتُ مدعواً كان أو لم يكن , في شتى مناسبات الدعوة ما إذا كانت حزينة أو سعيدة , لا تعدو كونها مجاملة !

 جارتي _ ولن أقول أمي _ مثلاً عادت ذات مرة وفي الأمر عادة من بيت للعزاء ترثي للميتة وتدعو لها بالرحمة وتشفق على أهلها وذويها من بعدها, كانت قريبة منها عزيزة عليها _ رحمها الله _ أنهت طقوسها الحزينة ثم أعدت ثيابها ! وزينت نفسها واصطحبت من الرفيقات مجموعة وذهبوا إلى حفل زفاف ..! سألتها فقالت لي: هكذا الدنيا !

كأني ما أردتُ الحديث عن هذا ! لعلَّ الصدق دفعني إليه ؟ قلتُ أني سأحاول ألا أسال وفي نفس الوقت أتمنى من ضيوف النص ألا يسألوني أنا , وإذا شاءوا فليسألوا أنفسهم !

ما يهم أني لم أفهم ماذا تقصد بأن الدنيا هكذا , ولم أدرك أن الحياة فعلاً كذلك وأن الأمر ليس غريباً عند أحدٍ سواي ! , أنا الذي ما صافحتُ امرأة قط ! إلا خالتي وقبل ما لا يزيد عن عام ؟ أي مضت عشرون عاماً تقريباً وأنا لا زلت أرى من العيب أن تسلم على خالتك في الطريق وحتى في المنزل ! رغم أني حديث الخلطة بأخوالي أيضاً _ أمي تقول أني ما زرتهم في طفولتي قط إلا وعدتُ إما مريضاً أو جلست عندهم في صراخ مستمر ! _ وأبعدُ من ذلك ما أذكره بدقة يوم أن كانت عقوبة الطالب في مدرسة الوكالة المختلطة ! أن يجلس الطالب المشاغب بجوار طالبة ! _ كانت تعادل عشرات الفلكات وذات دواء ناجع _ ليس هذا فحسب , لطالما تحسست في صغري من الجلوس بجوار فتاة في السيارة ! وأذكر مرة وأخي في طريقنا للمنزل ولم يزد عمري عن الخامسة, أوقف أخي سيارة ودعاني لأجلس بينه وبين امرأة, لا أذكر منها إلا _ امرأة _ لا وجهاً رأيت ولا اسماً عرفت ! وقامت الأرضُ ولم تقعد ! وانتهينا إلى سيارة أخرى ! لعلَّني كنتُ أشعر بهذا القيد طفلاً ! ربما حاولتُ أن أستدركه صغيراً وأتجنبه ولو لمرحلة قصيرة !

 هذا القيد الذي ما ينفك يشغلني بين فينة وأخرى , ولولا عقدتي القديمة ! ما انفككت عن مجالس النساء ولا عن التفكير فيهن ! إلى يومي هذا _ رغم محاولات للتغيير _ أكره فكرتهن وذكرهن أمامي , أحاول غض الطرف عنهن , أحاول مواجهة الأمر بحزم وقوة ! أشغل نفسي إذا ما تحدث عنهن الأصدقاء , وأشركهم في مواضيع أخرى ! وكنت تعاهدت وصديق لي ألا أتزوج مطلقاً في الابتدائية !_ وقتها كنتُ قادراً على ذلك _  لعلَّّني ورثتُ من آدم عقدة حواء ! وأحتمل ذنبها في يمين كتابي ! من أنا لأحمل ذنب واحدٍ وواحدة !

الآن فهمتُ قولَ نيتشه " أواه كيف لا أحن إلى الأبدية وأنا أتوق شوقاً إلى خاتم الزواج ", لكني في ذات الوقت أخجل من دمع أمي وكأني ابنُ ربيعة حين يعزف عن الزواج ! كان يدرك في زواجه نوعاً من الأنانية ! ولعلي أدرك  دموع الأم في فرحتها ! هي الأخرى تتذكر يومها هذا , ويوم أنجبتني ويوم أنا هنا بين يدي امرأة أخرى , هنا تبدأ الدموع تنهمر لما تتذكر أماً كانت لها , في التراب هي الآن ! هنا تبكي وتضحك من سخرية القدر , هنا تنظر وتتمنى قول المعري فوق قبره " هذا ما جنيتُ على نفسي وما جنيت على أحدٍ بعدي " !

آهٍ .. كم من الأفكار دارت بذهني طيلة أعوام لم أشأها ! ولم يكن لي في ذاتها رغبة , كل ما في الأمر أن شيئاً أُريدَ فكان ! نطفة تتحرك ووحي في المكان . لدي رغبة جامحة وأنا أكتب أن أسأل ! لكني طيلة عشرين عاماً وأنا أسأل والكتاب يجيب , وأنا أسال وصديقي يجيب وأنا أسأل وأخي يجيب وأنا أسأل وأمي تجيب وأنا أسأل وأسأل وأسال .. لعلها عقدة السؤال عندي !

أصدقائي _ وإن لم يكن سواي هنا _ هذي حروفي أخطها لنفسي ولنفسي أطيل , من شاء منكم أن يبقى ومن شاء منكم فليغادر ..! لا تثريب عليكم اليوم , أنتم الطلقاء وأمهاتكم أحرار ..

تدوينتي هذه أو قل مقالتي , ما شئتَ سميها , ما عدتُ أفرق بين عاريةٍ ذات مبادئ ولا منقبة خضراء الدمن ! لا أهتم لمسمى هنا ولا للون هناك , كل شيء عندي متساوٍ , الحزب الأخضر أخوه الأحمر وكلاهما أبناء عم , شيءٌُ واحد وبصدق أعتز بانتمائي له وهو العادية , لا فرق بين قهوة وشاي , ولا حلو ولا مالح , ولا بين لقيط وشريف ! ولا بين أي شيء , أفخر بعلياء وأنشد للقاعدة فكلاهما ثائر , لعلها عقدة التناقض !

والليلُ يمضي والنهار على موعد يتقلبان وقلبي ذات اليمين وذات الشمال , حتى هذه العادية التي انتميت إليها سنين عمري , باتت مهددة الآن بالتقلب أو الذوبان , هذه العادية التي ما مميزت بين الطعام والطعام , والتي رأت في الخيرين خير وفي الأشرار خير , ما عادت تلزمني الآن ! أي عادية حمقاء كنتُ أعيشها ؟ _ لن أسأل مرة أخرى _ هذا ابن حلال وذاك ابن حرام , هذا مؤمن وذاك كافر _ آن لي أن أكون نفسي !


22.1.2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق