الجمعة، 20 ديسمبر 2013

خُرِّيفة .. سرد قصير عن حياة جدِّي الحاج أبو أحمد صيام



خُرِّيفة .. سرد قصير عن حياة جدِّي الحاج أبو أحمد صيام .. 
-----

أذكرُ الآن لماذا كان أبي يخفي دمعته على أبيه ويداري وجهه في الحائط بعيداً عن الناس, رأيته ينظر للحائط وعيناه محمرّتان من الحزن, هل كان يدرك شيئاً لا أعرفه ! كدموعي التي سالت في إثره ولم أعرف هل كانت دموعاً عابرة أم أن أثير الأبوة ينتقل في الأولاد بعيداً عن قوانين فيزيائية أو ميتافيزيقية, هل لأنه لم يحتمل أن يرى أباه الذي لطالما حملَه في حضنه بين ذراعيه ممداً على سرير يحمله ممرضان إلى سيارة الإسعاف قبل عشر سنوات, إنها المرةُ الأولى التي يحتاج فيها جدّي إلى هذه السيارة, وقد كان يركبُ دونَها حمارَه إمّا على بردعة أو راكباً العربة المشدودة فيه وكانت سبباً في كسر قدمه، يقول الأطباء أنّ جدّي البالغ حينها 82 عاماً يحتاج إلى مسمار بلاتين في قدمِه اليسرى, هذا المسمار كان الأولُ في نعشِه.
   
لم يستطع بعدَها فلاحة أرضه واستغنى حينها عن حماره الذي باعه عمّي انتقاماً من فعلته, وجدي كان حزيناً على حماره أكثر من حزنه على الكسر, ولم يكن يكترث لصرخات جدتي وصيحاتها التي تحذره تارة من الذهاب للأرض والعمل فيها وتدعوه تارة أخرى للاسترخاء والراحة بدلاً من أداء الصلاة في جماعة، لكنّه ليس من النوع الذي يستكين للألم مهما كان, أذكر أن حماراً من ذوات اللون الأسمر التي كان يفضلها على غيرها من الحمير رغم شراستها قد عضّ إبهامه وكاد أن يقطعه وتعامل جدي مع الموقف ببساطة الفلاح الفلسطيني الذي يداوي كلَّ جروحِه بطين أرضه, جدي يلف أصبعه المقطوع بالطين والقماش !
    
جدتي التي تزوجها جدّي عن أخيه الأكبر بعد وفاته, أنجبت له أربعة ذكور منهم أبي وابنتين, كانَ يحبُّها لأنّها أم الأولاد وقد عاشَ جدّي حياته مشرداً مع زوجة الأب فاقداً لحنان الأم وحيداً من الإخوة والأعمام وأبناء العم, لم يحمل اسمَ العائلة سواه, يحمدُ الله دائماً على نعمة الأولاد ويؤكد أن الله الزارع ويكرر على مسامعنا مراراً :"ازرعوا ونحن الزارعون", يحدثُنا عن المراهنة التي خسرَ فيها أخوه الأرض وكيف استعادها جدّي بالكد والتعب وكان يستطيع بالثمن الذي استرجعها به أن يشتري أرضاً تجاورها بمساحة مضاعفة؛ لكنّه كان يعرف الطين التي خرج منها فلا يفارقه ! 
     
لم يكتمل العام الأول من زمن الكسر حتى بدأت جرافات الاحتلال تنهش البيارة وتهضم شجرات الزيتون فتأخذ سطراً وتترك بقية تتسلى بها في الأعوام التالية, أرادوا اختبار صبره الذي لا ينفد, على مهلٍ أراد الله أن يمتحنه بقبض روحِ جدّتي, قل إنها لم تستطع إلى الحياة سبيلاً, كل هذا لم يكن يعني لجدّي شيئاً, الشيء المهم فقط ألا يخسر الصلاة في جماعة ولمّا كان المسجدُ بعيداً عن المنزل, كان يكتفي بصلاة الجمعة في المسجد حتى شاء الله أن يكون بجوار منزله مسجداً قريباً يذهبُ إليه مستنداً على عكازه .
    
ذهبت سنةٌ أخرى وأخذت معها من العافية الكثير, لم يعد جدي يقوى على عكازة واحدة فاستند على اثنتين لأداء فروضه الخمسة حاضراً في المسجد, وانحنى ظهرُه فالتجأ للكرسي يتكئ عليه ويزحف به إلى المسجد كلَّ صلاة, أثناء عودتنا من صلاة الفجر كان يشير برأسه إلى المنازل المحيطة ويقول الميتون هؤلاء الذين لا يحضرون الفجر في جماعة, ويتساءل ما الذي يمنعهم من الصلاة وقد أعطاهم الله صحة ومالا ؟ ويشير إلى نفسه: "أي أنا العجوز اجيت أصلي, ول عليهم ول" ويقص لنا جدي قصصاً ويذكر أحاديث عن فضلها وثوابها قائلاً:" ركعتي الفجر خير من الدنيا وما فيها".
       
واستمرت العلاقة بينه وبين المسجد والكرسي مدة تزيد عن الخمس سنوات, كانَ للاحتلال فيها جولات على بيّارته فلم يبقِ فيها حتى حرب العام 2008 شجرة واحدة إلا وصارت أشلاءً توزعت من أول الأرض حتى آخرها, كان المحتلُّ يرسم لوحة من العذاب وخاتمة السوء؛ لكنّ صبرُ جدّي لم ينفد ولم تنهكه السنون وكان كثيرَ السؤال عن الأرض التي امتنع عن رؤيتها بعد خبر التجريف إلى حين, ولم يمتنع عن الاطمئنان على أحوالها, يسأل عن أخي حمادة الذي تعهّد رزقَه منها, ليس ضرورياً أن تكونَ الأرضُ مرزوعة بالأشجار المعمرة في نظره؛ لكنّ المهم أن تكون منتجة ذات نفع للعائلة.
                           
بعد عامين لم يعد جدّي قادراً على الذهاب بنفسه إلى المسجد, فاستغنى عن العكاكيز والكرسي وصار له كرسياً متحركاً على عجلين يحتاج لمن يساعده بالحركة, وكان يقضي حاجاته الأساسية في غرفته "الزينقو" وينادي على أحدٍ منا كلَّ صلاة يوصله إلى المسجد ويشجعنا بالقول: "من يعمل مثقال ذرة خيراً يره, ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" لم تكن الآية ذات التأثير الكبير في أنفسنا بالقدر الذي جُبلنا فيه على حبِّ جدي وخدمته, هي قربى لله سبحانه وإيمان ورثناه من الرجل العجوز جسداً والشب روحاً وقلباً وإيماناً.
              
واشتدّ برد العام 2011 كما اشتدت رياحُ التغيير فيه على الأنظمة العربية, جدّي كان أحد المتضررين أيضاً, لم يحتمل البرودة وطلب للمرة الأولى في حياته مغادرة الغرفة التي عاش فيها طوال حياته ولم يغادرها إلا بعد سبع سنوات من وفاة جدتي, لم يغادرها في الوقت الذي هجر فيه الناسُ منازلهم إبان حرب الخليج الثانية والمشهورة بـ"حرب صدام" ولم يغادرها في حرب الرصاص المصبوب رغم كل المحاولات في المرتين لإقناعه للاحتماء من قدر الله بقدر الله, كانت عقيدته "المكتوب على الجبين لازم تراه العين" لا أعرف هل كان يقرأ المكتوب على جبينه فيطمئِن ؟
                 
يحدّثني أخي الكبير عن محاولاته مع أبي لإقناع جدّي بالحج, لكنّه كثيراً ما كان يؤجل الأمر ويقول لم يأن الأوان بعد, حتى جاء العام 1994, فنادى عليهما وقال لهما بعد إغلاق باب التسجيل للحج ذاك العام, أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد جاءه في الرؤيا وقال له :"ما بدك تزورني ؟", أجاب جدّي النداء ووكل أبي بالأمر وتضيف عمّتي أن موعد سفر الحجيج قد تأجل عن موعده لأربعة أيام كانت كافية لالتحاق جدي بركب الحجيج لذاك العام برفقة جدتي ومن طريف الأمر أن الأقارب كانوا ينتظرون جدي للتسليم عليه بعد حجه أمام المنزل ووصلت جدتي دونَه, فاستغرب الجمعُ وتساءلو عن مكانه !
                 
الحق أنّ أمراً ما دون الصلاة لم يكن يعني لجدّي أي شيء, حتى أنه جاء من الحج تاركاً زوجته وما معها لأداء الصلاة في المسجد على وقتها, ولم يكن ذا اهتمام بالمناسبات الاجتماعية إلا قليلا, وأذكر أنّ خمسة من إخوتي تزوجوا ولم يحضر أيّ من حفلاتهم, رغم سعادته الكبيرة عند سماع خبر خطبة أحد أو أنّ أحداً قد جاءَه مولود فيذكر كيف كان وحيداً وقد منّ الله عليه بالمال والبنين .. في أيامه الأخيرة يجيبني أنه راضٍ بنعمة الله عليه حامداً لله شاكراً له .   
            
كان يجاور جدي في المسكن والعمر والمسجد والمسكن الحاج  أبو كامل المغني وقد تُوفي هذا العام ويجاورهما الحاج طراد محيسن أبو كمال, وقد توفّاه الله قبل جدّي بشهرين وقبلُهما ارتحلَ الحاج أبو رضى العمراني وزوجته, لكنّ منية جدّي حانت بعد وفاة الأقرب منه رحماً وجغرافيا, الحاجة رايقة سعد, لم تكن يفصلُها عن جدّي أي بناء إلا بضعُ أمتار وحدُّ من ألواح الزينقو المهترئ, أدرك جدّي بعدها أنّ منيته قد اقتربت على أساس العمر والجغرافيا وأصرّ على المشاركة في عزائها والذهاب رغم مرضه إلى بيت العزاء.
                 
بالتزامن مع حفلِ زفافٍ جديد بالعائلة لابن عمّي رائد, قرر جدّي العودة إلى منزلنا بعد غياب ستة أشهر عنه في منزل عمّي, قضى قبلَها ستة أشهر في منزلنا بعد كسر آخر أصاب قدمَه ولم يعد بعدها يقدر على أي شكل من أشكال الحركة, مقعداً في سريره مصراً كلَّ الإصرار على أداء فرض الصلاة في جماعة, اقتنع بعد محاولات بأن الله لا يحمل نفساً إلا وسعها, فصلى في المنزل عدا الجمعة لم يغب عن المسجد ولو مرة فيما أذكر, كان جدي سعيداً بخبر خطية ابني عمّيّ محمد ورياض وكان يسألهما العجلة في مراسم الزفاف .   
                  
من الطريف ذكرُه أن جدي عندما خطب أمي لأبي, استعجل الزفاف وأراده قبل رمضان من عامه, لكنّ والدَ أمي رفض ذلك وقال الزفاف يكون بعد العيد, وبعد خلاف بينهما على التأجيل والتعجيل. استردّ جدي المهر وألغى العقد ! إلى أن تداركته جدتي وصبّرته وأعادت المهر إلى أهل أميْ وكنتُ أنا, الذي يكتب هنا عن حياةٍ لم تعد إلا طيفاً من الذكريات, في الأرض يسوقنا الحمار ونضربُه فيسقط أحدنا عنه وتنكسر يدُه مثلي, عن حصاد القمح والشعير وغرس بذور البامية, عن حمل جالونات الماء إلى الأرض عن بركة الماء واكتمال الحلم .
                     
كان أسعدَ الأيام في حياته عندما خرجت الماء من أرضه, وقد قضى أكثر من 80 عاماً يحملها على حماره أو يشتريها من أحد الآبار البعيدة عن أرضه إما أن تصل متأخرة أو لا تصل ! قال حينها لأبي : الآن اكتمل حُلُميْ ! كيف لا يكون راضياً بما أعطاه الله إياه ؟ أو لم يقل: "ولسوف يعطيكَ ربُّك فترضى" ما أوفر حظَّه بالإيمان والرضى, صابراً على البلاء حامداً الله على النعمة. 
                     

إنها الأيام الأخيرة في حياته, كان يشعر بالوحشة ويحبُّ الحياة, يتفقّد أبناءَه وأحفادَه, يناديهم في جوف الليل بأسمائهم وبصوتٍ مرتفع وأسألُه ماذا تريدُ منهم ؟ فيقول: بتفقدهم ! وترجعُ به الذكرى وينادي كأنهم أمامَه ييقظهم للذهاب معه إلى الأرض: "بدكم تصحو ولا أجيكم بالعصاية ؟" أو "بدكم تقوموا ولا أجيب الميّة ؟"  ثم ينادي علياً ثلاثَ مرّات ! يستذكر حينَما كان يوصله عمي علي إلى المسجد على صلاة الفجر ويناديني باسمي إذا ما استفاق لحاجة يريدها ولم يكن كثير النومِ ليلاً لأنّه يقضي ساعات من النهار نائماً في سريره مقعداً فيه, يتراءى له أنّه لا زال بقوة الشباب يريدُ ملابسَه ويحاول النزول عن السرير ليثبت لنا أنّه قادر على فلاحة الأرض من جديد ومتابعة العمل فيه، ثم إذا استيأس أخذ بالملامة على رجله المكسورة .

   
يختصر جدّي حياته التي تجاوزت التسعين عاماً بمصطلح الخريفة, لا يكاد يحكي قصة إلا ويؤكد أنّ الحياة ما هي إلا "خُرّيفة" بمعنى حكاية يوردها في جملة واحدة: "زرعنا وحصدنا وعملنا وسوّينا وهاد الحياة خريفة", واشتدّ المرضُ بهِ إلى ليلِ الأحد الموافق 24-11-2013, حتى إذا أردنا أخذه من سريره في وقتٍ من الليل, قال: بدكم تموتوني ؟ سِتْكم راحت ع المستشفى وما رجعت !, فإذا تركناه, نادى على أبناء عمّي يأخذوه إلى المستشفى, وكان على موعدٍ مع موته !
                 
أنهى الطبيبُ اتصالاً مع زميل له على لقاء بينهما غداً من أجل النظر في حالة جدّي الصحية وإعداد تقرير يساعد في إحضار فرشة "هواء" طبية للحد من التقرحات التي ظهرت على جنبه الأيسر, جدّي يقول بعد تأخّر الأطباء عن مراجعة حالته وإعطائه الدواء: "حتى في الدكاترة ملناش بخت!"، وبعد تغيير ملابسه قال لنا مشيراً إلى فخذه: "الموت وصل إلى هنا"، ثم سأل عن أذان الظهر وقد تبقى له نصفُ ساعة من يوم الاثنين ويسألني: "شو رأيك توضّيني !" توضّأ مع الأذان وصلّى على سريره, وتناول ووجبة الغداء وأراد الأطباءُ تغيير موضع نومه على الجانب الأيمن, الأمر الذي آلمه كثيراً بسبب الكسر في رجله اليسرى ولم يحتملْ! 
   
    
 بعد دقائق يرجع بنا إلى نومته الأولى ع الجانب الأيسر من جسمه، ولا يحتمل أحدٌ منا ألمه فلا نعيد الكرّة ونتركه على حاله, الأسرة مجتمعة حولَ السرير في قسم الباطنة "الموت" بمستشفى الشفاء بمدينة غزة, ثلاث شهقات كانت كافية لمفارقة الروح للجسد، يقول الذين حضروا أنه سأل عمّتي عن أمّها "زوجته", وتوضح عمّتي أنّها كانت إشارة لرؤيته الأموات وافتقد زوجته فسأل عنها ! وتفسّر ذلك بأنّ جدّتي ترجع في الحياة الأخرى إلى زوجها الأول وتشرح لي أمراً لم أدركه حينها, حيث كان جدي يحركُ يده اليُمنى كأنه يصافحُ أحداً أو يسلّم عليه, فأمسِكُها وأسأله إذا كان بها ألم ! ؛لكنه كان يجيبني بالنفي . عمّتي تقول أنه كان يسلّم على الأمواتْ .! 
                    
لم يفقد وعيَه حتى آخر لحظة في حياته, ارتقت روحُه مع أذان العصر وزغردت أختُه الوحيدة أثناء توديعه، ودخلَ المقبرة مع أذان المغرب وأشهد أنّه دخل حفرة القبر مع إقامة الصلاة, في مسير حياته كان يقترب المسجد منه حتى كانت أقرب المسافات بينه وبين المسجد في المقبرة.

الثلاثاء، 5 فبراير 2013

دائماً نعم ثمَّ تقولُ لي : لا



دائماً نعم ثمَّ تقولُ لي : لا

 قالوا: إن لكلِّ بداية نهاية ! وتحدثوا عن البدايات فأوجوزا: كل بداية صعبة ! وقيل: المهمُ أن تبدأ ؟ ولكن كيف ؟ ومتى تبدأ ؟ .

هذه الأسئلة راودتني في عامي الـ22 بحثاً عن إيجابات لها في بحر من الاختيارات, كانَ لازماً عليَّ فيها العودة إلى الماضي البعيد مروراً منه إلى حاضري الآن؛ لأكونَ قادراً على وضع قاعدة ما أنطلق منها إلى أكثر مراحل حياتي خطورة وجدية, أستحثُّ فيها ذاكرتي لتفرج عن مخزونها من الأحداث الهامة والمواقف المؤثرة والأفكار العالقة والموضوعات التي اختزنتها في مراحل أوزعها على ثلاث : 1- الخضوع 2- الاستقلال 3- الاندماج ..


أولاً: مرحلة الخضوع : وهي مرحلة يتشارك فيها معظم الناس- إن لم يكن كلهم – تحُدد لهم ما يجب عليهم من تصرفات وما ينبغي لهم من أفعال, وصولاً إلى حاجز الحلال المباح والحرام الممنوع!


في هذه المرحلة وأنا الطفل الهادئ المهذب الملتزم بقيم المجتمع وأخلاقياته في حدود ما يفرضه من محظورات في أسرة لا تلزم نفسَها أكثر من التوجيه والنصيحة, ومسجدٍ لا يكف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومجتمع تتفاوت الأولويات عنده وتتماهى المحرمات ما بين الاتجار بالمخدرات والسلاح والرقص في الحفلات العامة على أنغام الموسيقى الصاخبة والنكات الجنسية والمغامرات البطولية, في غياب قانون ملزم سوى"العنترية والعائلية" في ظل ضعف للسلطة الحاكمة ونمو للحركات الإسلامية, بحمدِ الله كان لي فرصة النظر للكل من زاوية تفرضُ نفسها عليَّ لكي أكونَ جزءاً من حلقات تبارك في المسجد وأحيانَ أخرى في حفلاتٍ صاخبة هنا أو هناك, وأحد الزائرين لهذه " الغرزة" أو تلك والأطفال دائماً يستعمون ولا يشاركون ويشاهدون ولا يندمجون, تلكَ حكايتي !


وتعودُ بي الذاكرة لأسأل عن عدد الأشرطة التي كسرتها بعدَ خطبةٍ لشيخٍ يؤكد فيها حرمة الأغاني وكم من مسجل كان مصيره إلى فتات ! ومن يذكر حملات استبدال أشرطة الأغاني بالأناشيد ؟ والاختلاف حولَ شرعية العمليات الاستشهادية وحرمتها ! هل كانت انتحارية ؟ من يعلم كم من المسيرات التي شاركنا فيها لتعزية عائلة الشهيد فلان ! كم أثّر في طفولتنا مشهد أم نضال فرحات وهي تودع ابنها ؟ كم هتفنا في المدارس " تحية للكتائب عز الدين" كم استهزأنا بسرايا القدس وكم سخرنا من فتح الكافرة ! كم قلتُ إني من الغدِ سأصلي ليلة اجتياح " عائلة أبوهين " أين كانَ الشيطان حينها ؟ لماذا قررت أن أهجر الأغاني وألتزم الصلاة في المسجد ؟ هل تختفي الشياطين في حضرة الخوف !

تماماً مثلما تختفي هذه الأفكار في حضرة الآخرين ! وأنتَ تعرف رأي الاثنين في بعضهما وقد أسرّاه لك, رغم ذلك يبتسمان أمامك في لحظة جمعتكم صدفة وتضحكُ في نفسك وتستفسر ما الذي تغيّر ؟ هل لأنَّ الأفكار التي يتشربونها لا تنطبق في واقع المجتمع ؟ أم لأنَّ الباطل في حلقات التعبئة والإرشاد فقط ؟ لكل جماعة منهم منهجٌ ترى الأخرى على باطل أو قد ضلّت الحق !


ثانياً: الاستقلال: تحضرني الآن كلمة "مش فاضي" وأضحك الآن ! كثيراً ما تسببت لي هذه الكلمة بالمشكلات في محيط الأسرة ! وهي تعني أني غير مهتم ولا وقتَ عندي لأي نشاط عائلي أو عمل داخل الأسرة لا يعود بالنفع المباشر علي وحتى هذه مشكوك في أمرها إذ أنَّ أمي يرضى الله عنها تحمل همّها, لدرجة وصلتُ فيها إلى الحد الذي يكون المنزل فيه بقمة الفرح أو الحزن أو شجار وصلَ ذورته وأنا أمام شاشة الحاسوب أو في كتابي دونَ أي مبالاة أو اهتمام؛ لأنّ هذا الأمر لا يعنيني! وهذا على مستوى الحي والأصدقاء, على مبدأ " هذه مشكلتك لا مشكلتي" يالإضافة إلى تجنب المشاركة بأي أنشطة اجتماعية من زيارات أو مناسبات مثل حفلات الزفاف أو بيوت العزاء, وقد بدأت مرحلة انطواء بدءاً من الأول الثانوي وأذكر بعضاً من ملامحها وأسبابها أني تعرضتُ لمواقف شدّت تفكيري بشكل رهيب وسيطرت على ذهني دونَ حولٍ مني ولا قوة ! كانت من أهم أسبابها هذا العالم الجديد " الانترنت" بمختلف أشكاله, الشات, البالتوك, السكاي بي, الإلحاد والمعتقدات الدينية والمذاهب الفكرية ما بين علمانية وليبرالية وراديكالية أصولية, والأفلام الجنسية والعادة السرية التي كان البعض يتغنى بها في فصول الثانوية ويتعازم الأصدقاء عليها ويتفاخرون فيما بينهم, هذا ما جادت به الثانوية عليّ ! وصلَ الأمرُ أحياناً لإنكار وجودي وأسبابه, فكم من مرة قلتُ لأمي متسائلاً هل أنتِ أتيتِ بنا ؟ أم جاء بنا القدر !

هذا المخاض جعلني أكثر انجذاباً إلى ذاتي تزامناً مع المرحلة الجامعية والتي وسّعت مداركي, فكثيراً ما سمعتُ عن الشاب العاشق وفتاة الموضى والناس "الفري Free" وعن مخاطر الاختلاط وفوضى الانفلات, وكل هذه الأوصاف لم تكن تثير فيّ إلا الرغبة بالتجربة والاكتشاف ! وكانت فرصة لي أن أعرف هذا العالم المحفوف بالمخاطر وأن أتعرف عن قرب على كلِّ شيء؛ لأثّبت بعضاً من الأفكار التي ورثتها أو اكتبستها من محيطي الأول, وقررت حينها أن تكونَ التجربة هي الفصلُ والحكم دون أي افتراضات مسبقة, متنازلاً عن كل المبادئ التي عرفتها وكل المقاييس التي تعلمتُها ! لن أقولَ هذه بلا حجاب فهي بلا أخلاق والعكس كذلك, تلكم تجاربكم ولا تعنيني, من حقي أن أرى وأجرب ثم أفكر وأختار وأقول من بالنسبة لي على حق ومن على باطل ! لا يعنيني أنَّ مصافحة المرأة تنقض الوضوء ما دام المرء لا يصلي ! وقد استطعت في تجربتي هذه أن أكون على حياد تام واكتفيت بالمشاهدة والقياس !

حاولت التخلص من قيد الألوهية وإثبات الذات وإنكار الدين وترسيخ الواقع ونفي العادات والتقاليد والامتناع عن كل ما هو متوارث ! ولعلّي حاولتُ في جانب العادات والتقاليد ووضعتُ أفكاراً بديلة لتنظيم حياة المجتمع من ميلاد الإنسان حتى موته ! وراودتني أفكار مثل إلغاء بيوت العزاء وأن تتولى المشافي مهمة دفن الميت بعيداً عن أهله وأقربائه مثلاً, وفي قوانين الزواج لماذا لا تكون العلاقة حرة بين الذكر والأنثى طالما اجتمع بينهما شرطُ القبول ! لماذا يكون الطلاق نهاية حياة بدلاً من انطلاقة جديدة وتجربة نوعية للمطلقين ! لماذا يكون الزواج مصيري ؟ ألا يمكن أن يتزوج المرأ/ة مرة واثنتين وثلاث! ماذا يضر إذا تزوجا ولم ينسجما مع بعضهما أن يتطلقا ويجربا محاولة أخرى وأخرى ؟ وهل يكون الإنجاب للزوجين غالباً عن جهل أم تفكير ومصلحة ؟ ولماذا لا تكون العلاقات بينَ الناس قائمة على الصراحة والمكاشفة بدلاً من قانون المجاملات " أنا لا أكذب ولكني أتجمل" لماذا نخفي الحقائق عن بعضنا البعض ؟ لماذا لا نعترف بالواقع ؟ لماذا نتجنب الخوض في عيوبنا ونقصنا ! هل ندّعي الكمال ؟, كم كرهتُ هذه الأخيرة حيث يكون الكلام في وجود الشخص المقصود سلبياًً تماماً في حالة لم يكن موجودا !


ثالثاً: مرحلة الاندماج : لاحقاً " باتَ أمراً طبيعياً " 

الثلاثاء، 29 يناير 2013

كيف تصبح شريراً ؟ قصة قصيرة



كيف تصبح شريراً ؟!


كنتُ في زيارة على غير تخطيط مني ولا تفكير إلى مكتب العمل مقابل منتزه برشلونة, وبعد جولة بلا تصريح في أرجائه تفقدتُ فيها المكان متأملاً من إحدى نوافذه مدرسة للثانوية – بنات – فيها ملعبٌ واهتمام بالمرافق غير مسبوق في ذاكرتي التعليمية على مستوى المدارس التي تعلمتُ فيها, وتبادرت تساؤلاتٌ إلى ذهني حول المبالغ التي تتكلفها الدول من أجل التعليم, ما بين أبنية ومرافق ومعلمين وأثاث ! يقضي الطلبة مثلي أعوامهم ولا يعرفون قيمتها أو فوائدها بسبب أو بلاسبب !


هؤلاء وأنا منهم عاشوا تجربتهم التعليمية تلقائياً دونَ معرفة لماذا هم في المدرسة ؟ هل كان النجاحُ غايتهم أم كانوا ينجزون واجباتهم هروباً من غباء المدرسين وعُصِيِّهم ؟ تلك الثقافة لم تكن موجودة في شخصي, فلا أنا أحبُّ أن أكون الأنانيَ " الأول " ولا الكسول " الأخير ", إذا ما أحببت المدرس أبدعتُ في مادته وإذا ما خفته أيضاً أبدعتُ في مادته, أما إذا كان المدرسُ " ما بهش ولا بنش " لم يكن له منا إلا كلُّ البطش به والاستهزاء منه, تلكَ الطفولة البريئة التي في عامي هذا أحاول أن أسترجع بعضاً من صفاتها " بدي أصير شرير " والشرُّ الذي أعنيه أن تكونَ قادراً على أن تكونَ طبيعياً أكثر بدون خوفٍ أو تظاهر أو قيودٍ يفرضها المجتمع بعاداته وتقاليده أو الظروف بالمجهول منها والمتوقع, في عامي هذا سأكون أكثر جرأة على نفسي أولاً .


خرجتُ من زحمة المكان وحشد من الناس ينتظر, والموظفون يتحركون جيئة وذهاباً في روتين قاتل لا يعرفون وجهة لهم, ويممت إلى متنزه " برشلونة " القريب من المكان الخالي من الناس إلا قليل, فتاتان على مقعد في زاوية بعيدة وشاب على الناحية الأخرى يمسكُ جواله متصفحاً الفيسبوك لأنّ الكهرباء مقطوعة عن منزله وفي المنتزه شبكة عامة للانترنت قال لي هذا بعدما سألته, وأم تمسك طفلها على أرجوحة تلاعبه ويضحكان, ثم بالمشهد الذي كثيراً ما غضضت بصري عنه أمام التلفاز بحضرة العائلة وأحياناً من الخجل أغادر الغرفة إذا ما كان في المادة المعروضة بوادر توحي بقبلة قادمة ! أو أخذٍ بالأحضان, هذه الجرأة في نصي هذا لهي مقدمة للشر الذي أتحدث عنه في عامي هذا ! جميعنا شاهد أغنية لفيروز "نسيتها" والمشهدُ عالقٌ في ذاكرتي عن طالبة في الثانوية تلقي ورقة لشاب أحبته على زاوية الطريق !


 سمعتُ كثيراً عن تجارب قريبة مني ولم أصدق حينها ! هو المشهد ذاته يتكرر الآن أمام عيني ! شابٌ يجلس على مقعدٍ في زاوية الحديقة وبعد دقائق, تأتي فتاة تحمل كتبها المدرسية وتنظر بملء عينيها يميناً وشمالاً باحثة عن هدفها المنشود ! وأنا أتأملها من بعيد وأرقبُ ابتسامتها وهي تتجه صوبه – شعرتُ بالسعادة لأجلهما – وتأملتُ المشهدَ من بعيد حتى جاءَ طفلان إلى ملعب الحديقة وأنا جالسٌ على مدرجاته, يبحثان عن كرة, فجمعا اثنين من الشواكل كي يشتريا كرة بلاستيكية وأخفقا حتى وقت قريب, جاء بعدهما طفلان بدا عليهما اليُسر والرفاهية ومعهما كرة, وكانت مغامرة جديدة أن تلعب والخوف يملأ قلبك أن يسقط الجوال أو الكاميرا أو يتمزق البنطلون وهذا الأسوأ ! ولو أني كنتُ أفكرُ بعقليتي الطيبة ما كنتُ لألعبَ مع أطفال خوفاً من نظرة المجتمع واستهزائهم وسخريتهم !

الأشرار لا يكترثون بما يقول الناس ولا يهتمون لعرفٍ هناك أو عادة هنا, وهذا ما سأفعله بعد لحظات, تابعتُ اللعب مع الأطفال محاذراً من سقوط الجوال أو تمزق البنطلون ولي تجارب سابقة عملتُ جهدي كي لا تتكرر, فإذا بصاحب الفيسبوك يتشجع ليشاركنا اللعب بكرة القدم تارة وكرة السلة مرة أخرى حتى صارت الساعة الثانية بعد الظهر واضطررت للمغادرة ؛لكن !


جالت في ذهني فكرة شريرة, لماذا لا أذهب إلى الصديقين " الشاب والفتاة " هناك ! أسألهم وأستفسر عن أحوالهم وعن الطريقة التي اجتمعا بها وإن كانَ هناكَ تساؤلات تخيّب ظني وتفسد عليّ فكرتي ! ماذا لو كانا مخطوبين ؟ لو كانا قريبين ؟ لو كان هذا صحيحاً ما كانا ليجتمعا بهذه الطريقة ! إنها فرصة لي أحاول من خلالها أن أعرف أكثر وعن كثب ملامح هذه التجربة وأسبابها من خلال السؤال المباشر ! بدلاً من الخجل أمام التلفزيون أو إشاحة الوجه ساعة اللقاء أو غض البصر ؟ وفعلاً هجرتُ هذه التساؤلات وتركت التفكير في الأمر واتجهت ناحيتهما ووقفتُ على بعد مترين تقريباً وألقيتُ عليهما التحية وأشرتُ للشاب أن يأتي إليَّ لأقول له كلمة خشية أن أتسبب له بموقفٍ محرج أو مخافة أن يعتبرني من الأمن الداخلي, ثم عرفته على نفسي ليطمئن وأعطيته رقم جوالي رغبة مني بالتواصل معه !


لم تكن جرأتي " الشر في داخلي " كافية للخوض في تفاصيل أكثر خشية الإساءة لهما أو حذر إفساد الجو الذي لا أعلم كم من المحاولات والاتصالات والمواعدات حتى نجحا في اقتناص فرصة ذهبية للقاء في مجتمع كان محاظفاً كغزة ! هل قالت لأهلها إن عليها دروساً خصوصية وقد رأيتُه يقلّب صفحاتٍ من كتابها ! ثم فضّلتُ أن أتركهما على حالهما والابتسامة تملأ وجهي لما بدا في وجهيهما من البراءة وصدق المشاعر, وإذا بي أمشي على طريق المتنزه وطفلان بدا عليهما كل آيات الشر من وجوهٍ ممزقة وملابس توحي بحالة من الطيش والانفلات يسمعانِ أغانيَ صاخبة بألفاظ تخدش الحياء وهي ظاهرة جديدة بات الكبار والصغار يسمعون لها " يا بنت يا مزّة ". ثم نظرتُ إليهما وقد خارت كلُّ قوى الشر في داخلي وتمنيتُ لهما حياة سعيدة ..




السبت، 26 يناير 2013

الآن يفارقنا - قصة قصيرة / محمد صيام




الآن يفارقنا

 http://www10.0zz0.com/2013/01/26/17/421962676.jpg

ها هُمْ يرفعونَ عني الأجهزة, الآنَ يتوقفُ النبضُ وهذا النَفَسُ المصنوعْ , وذا الطبيبُ يغطي وجهيَ دونَ ارتباكٍ أو حتى قشعريرةٍ كالتي أصابتني حالَ سمعتُ الخبرْ,  يقولُ بيُسْرٍ لذويَّ : الله يرحمه , البقية في حياتكم ..

علا الصراخُ صالةَ الاستقبالْ, وهُمْ ينظرونَ إليَّ على سريرِ المرضى ذاهباً إلى ثلاجةِ الموتى, تلكَ الثلاجةُ ذاتُ الشهيقِ والزفيرِ المرعبْ, هناكَ خمسةٌ مثلي لم يتجاوزوا الثلاثينَ مِنَ العمرِ ورجلٌ تخطى به العمرُ مائة سنة, وعجوزٌ لم تنجبْ إلا شقاءَ خمسٍ وخمسينَ سنةٍ, لا أولادَ لها !.

جضر جميعُ الأهل إلى المشفى والدموعُ تغرقُ عيونهم, والنساءُ يلطمنَ خدودهنَّ ويصرخنَ من هول الفقد وألم الموقف , كأني رأيتُ هذا من قبل؛ لكني لا أتذكرُ, أينَ ومتىْ وكيفَ ؟ إنه الموقفُ ذاته !, هذه أمي تصرخُ عليَّ وتلطمُ وجهَهَا وتمزقُ ثيابيَ وتغسلُ وجهيَ بدموعها .

كنتُ أعلمُ أنها لنْ تسمعني, ولا أحداً منهم يقدرُ على ذلك, ها قد أعادوني مرة أخرى إلى الثلاجة, وأنا أشعرُ بتآكلٍ في جسدي, شيءٌ ما غريبٌ يمشي على جلدي, آآه لا أستطيعُ تحريكَ يدي ولا دفعه عني ! ما أقسى هذا البرد, يا ويحكم من أذنَ لكم بإدخالي هنا ؟! أنتم أيها الجيران , مذ متى وأنتم هنا ؟ أنتم لا تجيبون أيضاً ! ويلاه . ما الذي يحدث هنا ؟ أنت أيها الطبيب مرة أخرى ؟ إلى أين تأخذني هذه المرة ؟. إنهم يمشون بي إلى منزلِ والدتي,  ثم أدخلوا عليَّ رجلاً ما رأيته من قبل, ذا لحية بيضاء ووجهٍ مبتسم , أمسكَ الماءَ بيديه وأخذَ يغسلني بطريقةٍ ما تشبهُ الوضوء, وألبسني ثوباً أبيضَ, لا نقشَ فيهِ ولا لونْ, ها هم أقربائي وأصحابي يلقون علي نظرتهم الأخيرة ويودعون جسداً كان حياً قبل الآن, ودموعُ أعينهم تنهالُ على وجهي .

لم يسمعوني وأنا أقول لهم كفى بالله عليكم وأهزأ من حالهم هذا, حال الذين لا بدَّ لاحقين بي عاجلاً أم آجلاً, كما كنا من طين نعود إلى الطينْ , حملني بعضهم إلى سرير خشبي, وساروا بي إلى أمثالي السابقين , الآن منهم أنا, دون مرض ولا علة , دون سقم ولا سبب, من يدري أن هذا كان موعدي وقدري المؤجل المحتوم !, أدهشني عددُ القبور في هذه البريِّة , يا إلهي ! كلُ هؤلاء قد ماتوا ! كلهم قد عاشوا مثلي ؟

الاثنين، 24 ديسمبر 2012

أصلاً عادي .. شو هالنحس !


أصلاً عادي .. شو هالنحس !

مش عارف كيف أبدا, متأخر زي هاليوم ؟ متردد ؟ مش عارف شو بدي ؟ لأ بس أنا كنت عارف , هي مش زابطة معي , ما بدها تيجي مش عارف ليش ؟ بالعربي يلعن أبوها من شغلة !

والله ما بدي أكتب عن هاليوم , بس قطعة النت وحالة الملل الرهيب أو الكآبة بالوصف الصحيح اللي مش ملاقي لها سبب هي هيك , بالعادة إذا اجت الصبح بعد المغرب بيكون المزاج عالي , وإذا كان المزاج عال العال الصبح بيقلب نحس بالليل ! لكن هاليوم غير شكل ؟ من أوله بنقدر نقول نحس ! والدليل زي ما أنا شايف النت كل شوية بقطع لكن هالنحس مش راضي ينقطع لهلقيت ! مش هاد القصة والموضوع , لكن غصب عني صار لازم أحكي هاليوم شو صار بالتفصيل , بركي العلم بكرة يشوف له تفسير ؟ وأنا مؤمن بهالشيء إنه العلم قادر بفضل الله طبعا .

سيدي نفسه قاعد بيحكي لي قصة للمرة العاشرة ؟  لو حسبتهم كان طلعت المرة ال 30 بخصوص هالموضوع وهو بتعلق بالأرض , ما راح أنهبل واحكي عنه هان , بكفي اللي أنا فيه, بدي أحكي لسيدي هيك, بس مش زابطة معي برضو ! دخلنا بموضوع راحت واجت وقالت وقلنا وأنا بدي اختم إنه الحياة "  خريفة " زي ما أنا بأكتب هان برضو , هي خريفة فعلاً .

اصحيت الصبح ع العشرة ونص .. كانت صدمة بالنسبة لي ! ما بعرف ليش مع إنه مش في بالي أصحى أصلاً , وشعور بالتأخير كان لاحف مخي , وشوية وأقول لنفسي المشوار مش لازم النهار خلص ! المهم كان الأمر ضروري نوعاً ما وما بيصح تأجيله, وقررت أطلع من البيت قبل ما أطلع فاجأني موقف بنت أخي الصغيرة بتقول لي " الله يسهل عليك " لأول مرة أسمعها فكانت مفاجأة لي وضحكت منها لدرجة كل شوية أقول لها سلام يا غزل , فتروح تقولي الله يسهل عليك وتضحك ..

ونزلت ع الشارع بعد اتصال من صديقي ينتظرني بالقرب من دوار أنصار غرب غزة وأنا ساكن في الشرق, قلت له مسافة الطريق نص ساعة,  قضيت ربع ساعة بانتظار سيارة توصلني لموقف الشجاعية ! طبعاً بعد التأخير قلت والله منا طالع سيارة ومشيت ع رجلي منه صحة وتوفير J , وصلت الموقف وشاورت لسيارة واطلعت فيها, ورغم التأخير إلا إنه السواق كان شاطر كتير, معه راكب على منتزه برشلونة وآخر عند وزارة الأسرى وطالبة إلى الجامعة , كان بدو يمشي فينا لفة سريعة ويعمل دوارة معنا, لكن المشكلة كل الركاب مستعجلين ! المهم كنت آخرهم وصولاً والتقيت بصديقي بعد التعذير اللي طالني بسبب التأخير وإشارات المرور الحمرا, الراجل اللي بدنا اياه مكنش موجود واتصلنا ع جواله بيعطي مشغول ! ..

اجا النت ! صار لازم أمشي .. وين تمشي ؟! رسالة من أختي مطلوب تصميم عاجل لوسيلة جامعية, ااخ كم مرة قالت لي ؟ طيب بدي اخلص هان وأشوف التصميم إزا ضل عندي وقت أو حتى نفس إني أشتغل, كملنا مشوارنا ورحنا لشخص تاني كان في برنامج زياراتنا لكن للأسف هو الآخر لم يكن موجود ! وأختصر الآن وأكتب على عجلة !  قررنا الذهاب إلى مقر نقابة الصحافيين وهي الزيارة الأولى لها وقد حالفنا الحظ هذه المرة كي لا يخيب ظن النحس فكانت على الطابق الأخير وأخذنا نلهث من التعب حتى كان الباب مسكر ومحدش موجود ! ومحدش شخصية مشهورة كتيير .. الحمد لله النت فصل تاني .. خلينا نكمل, شكلي هأنام .. إزا حالفني الحظ بدري .. ركبنا سيارة وصديقي أعطى السواق 2 شيكل عن راكبين والسواق بعد ما مشي فينا يعني 200 متر اتفاجأ ورجع المصاري وقال لنا تفضلوا انزلوا , بطلت أشتغل !, هو مش طماع بس قال في باله 4 شيكل ولا بلاش ؟

, هو قال بلاش واحنا قلناها كمان وكملنا الطريق على رجلينا لأنه الموضوع مش مستاهل, بالعادة أنا بأصنع الكلمات والأحداث بس هاليوم تعفلني فعلاً بمعنى الكلمة , انتهينا من موضوع السواق وقررت أرجع ع الدار , يا سلام ! بدي أروّح أشيل هالبخت من راسي , وفعلاً في الطريق واحنا ماشيين اجا اتصال من مؤسسة بتأكد لنا موعد لدورة , صراحة ما سمعت نص الكلام لأنه الطريق دوشة وبدي أخلص اتصال الموظفة معي كيف مكان , اوك ماشي , كل اللي فهمته ع 8:30 في الميرنا هاوس أو المارينا هاوس , بالعربي مش متأكد من المعلومات اللي اسمعتها, ولما اوصلت الدار اتصل صديق آخر لي وهو الذي دعاني للتسجيل بهذه الدورة ! تفاجأت بأنه اسمه مش موجود ؟ يـاه ! حسن حظ هاد ؟ ولا سوء نوايا ؟ مش عارف بس أكيد لازم أزعل أو أتنازل أو مش زابطة معي فعلاً ..! كيف يعني ؟ نفس الورقة كتبنا ونفس المعلومات قدمنا وهم اتصلوا فيه وانا كنت مجرد زائر ؟ بأي حق يصير العكس ؟ كانت ضربة جامدة في مخي اللي مش مستوعب حاجة حتى الآن !

تحديث للنت , برضو مش جاي ! يلعن أبوها من شغلة , طيب أنا الثلاثاء والأربعاء والخميس عندي دورة , والخميس كمان دورة ! وكلهم فيهم وجبات غداء على ما أعتقد ؟ واجاني اتصال ما بعرف من وين لأنه وأنا ماشي برضو وجوالي مش بصحة جيدة بالمرة ومع صوت الطيط والطوط ما استوعبتش حاجة فطلبت منهم إيميل لتفاصيل أكثر وانا في انتظاره , المهم مضمون الحكي إنه في ندوة أو ورشة عمل في قرية النخيل بدير البلح ! والله عن نفسي أنا بدي أزورها واجت مناسبة لكن في وقت غير مناسب ! فيها وجبة غدا كمان !! الله أكبر  .. بس يا خسارة !

سيدي رجع لنفس الموضوع اللي حكاه قبل شوية , الأرض برضو , المهم ثلاث أيام داخلة في بعضها مع مجموعة وجبات في وقت واحد ! والله ما بتصير ؟

خلينا نكمل القصة, وبدي أختصر اكتر, رجعت الدار في كم شغلة لازم أعملهم وأكيد ما عملت فيهم شي ولا حاجة منهم كمان , حتى لما اجيت أتحدى نفسي وأعمل حاجة, اجت سيارة الكهربا للصيانة وقطعت الكهربا عن مربع شارعنا . يا حلاوة ! كان لي خاطر ساعتها امسك أي حاجة وأفش غلي فيها زي ما بيحكو , وما لقيت إلا الملح! بيحكو إنه بيرفع الضغط ؟ برضو بدون نتيجة .

حتى الآن أنهي التدوينة وبأفكر شو بدي أعمل , يبدو إنها الشيء الوحيد اللي زبط معي واقدرت أكمله, في نهاية الموضوع الحمد لله على كل الأحوال , وكلها والحمد لله جميل , وجمالها بهذا البيت الذي يلامس حالتي وقد نشره صديق لي عبر صفحته على الفيسبوك .. أختم بها :

أبحث أحياناً عن نفسي //كي أهرب من ظلمة يأسي
أمضى كالطيف فألقاها // تقترب قليلاً أعرفها
يختلط الأمر فلا أدري // هل أحيا يومي أم أمسي !؟        لـ " فاروق جويدة "

الخميس، 20 ديسمبر 2012

الموت الرحيم .. قصة قصيرة

الموت الرحيم ..

لقد كانَ يُدرك يومَ صرخ في رحمِ أمه أنَّ الأمرَ ليسَ هيناً غير ممكن, خارجٌ عن المألوف وهو العدم, هناك شيءٌ ما, يتساءل في نفسه ماذا كان ؟ وكيف أتيتُ إلى هنا ؟ ولماذا أنا ؟ هذي زخاتُ المطر تتساقط الآن ! كما كانت تتساقط على لوح الصفيح في هذي الغرفة التي وُلدْتُ بها قبلَ تسعين عاماً, يختلط صوتها الممزوج بضربات الزينقو مع صرخاتي التي لا أعرفُ إذا ما كانت ألماً أم أنها الإرادة المسلوبة ساعة الميلاد, وتلكَ النسوة كنَّ يزغردن بصوتهن الذي كان يصدح في باحة المنزل " ولد , ولد , ولد , كم أنتَ كريم يا الله " ويباركن لأمي وينهلن على أبي يطلبن منه العطايا والحَلَوانْ !

لقد كانَ أبي وحيداً لا إخوة له ولا أعمام ولم ينجب سوى أخي الأكبر وقد جئتُ بعده بعشرين سنة من أم ثانية وأخت ثالثة لزوجة ثالثة ! من كان يصدق أني سأعيش تسعين عاماً ؟ والكل كان يقول سيلحق بإخوته الثلاثة الذين أنجبتهم أمه وماتوا بعد أيام من ميلادهم , تلك الأيام وهؤلاء الإخوة الذين ماتوا كانوا سبباً بطلاق أمي وسبباً كي أعيش مشرداً بين منزل وشتات تتنوع فيه العذابات وتتلون معه الآهات ويزداد البأس كلما زاد بي السنُّ وتقدّم العمر وكبرت الحاجات والرغبات .

يومها لم أكن أفهم شيئاً ولا زلتُ كذلك غير مدرك لما هو أمامي ولا لما كانَ خلفي ! هذه التسعين عاماً لم تقدم فيَّ شيئاً ولم تؤخر, يا إلهي ! أينَ أين ؟ كلًّ الذين توقعوا هلاكي؟ والذين عاشوا بمثل سني كلهم قد ماتوا ! وها أنا موجودٌ على فراش الموت الذي يتجاهلني يوماً بعدَ آخر, عاجزٌ عن الحركة من أسر هذا السرير, يقيدني كسرٌ في قدمي وتكبلني هذه الأغطية رغم أنها تحميني من البرد, لعلِّي أفضلُ البردَ كلَّه على هذه القيود ! لعلَّ الحرية تستحق منا الاستغناء عن كلِّ شيء في سبيل الوجود !

تباً وألفُ تباً , هذه الحاجة تأتي على غير رغبة دوماً وبلا ميعاد, يا هذا, أنتم ؟ من هناك ؟ تعالَ يا هذا ! الحمد لله رغم أنك قد جئت متأخراً , ارفع عني هذه الثياب, ساعدني بقضاء الحاجة يرضى عنكَ الله, إنهُ العمرُ يا ولدي, كِبَرُ السنِّ يا بني, تلك العبرة من الحياة, لو كنتَ تعرف وغداً ستعرف كم هي الدنيا لعينة ! انظر لهذه الأرض واسألها كم مرة قلنا لها " اشتدي ما عليكِ قدِّي " وارقب حالنا الآن ! لا شيءَ سوى " خريفة " إنها مجرد قصة أرويها لكَ يا بُني !

قالَ جدي كلُّ هذا وأنا مرة غير مرة وحالي يتقلبُ بعدَ حال, أتساءل وأنا كثيرُ الأسئلة, لماذا ؟ لماذا ؟ لماذا ؟ هل أعيش مصيري مبكراً ؟ هل كُتب عليَّ أن أعيشه مرتين ! ثلاث ؟ الله أعلم ؟ . أكان هذا قدرُ البشرية جمعاء ؟ هل يكون في هذا تينٌ وزيتون ! وطور سنين ؟ ثمَّ رددناه أسفلَ سافلين ؟ وأجرٌ غير ممنون ! فليكن ما يكن, إنَّ اللهَ يكفِّر عني ذنوباً لستُ أعرفها, الحمد لله على كلِّ حال, إني إذ توكلت على الله مرة ومرة, تراجعني نفسي ألف مرة وتقول لي :كأنّك لا تعرف أنك مستخلفٌ على هذه الأرض, سيد قرارك مالك نفسك قادر على كلِّ شيء تحت أمرك, وإني على معرفة أن الله قسّم بيني وبين إرادته, لي ما شئتُ من أمري وله ما شاء منه , ولكن ما دامت إرادتي هنا حرة ! فلي أن أفكر وأن أقول وأفعل _ لكنّي على ثقة أن حروفي هنا خارجة عن إرادتي بعض الشيء _ كأن الإرادة الإلهية تشاركنا في كلِّ أمورنا وصراعنا مع النفس والشيطان ! هذه الحروف لم تسلم من وساوس أو رغبات في النفس, إني أعجز عن تحديد مصدرها ! فلا ميزان الخير والشر ينفع ولا مقياس الصواب والخطأ .. قل لي لماذا ؟ لماذا يبقيني اللهُ حياً هنا ؟ وهل أنا حيٌ فعلاً ؟ أم قبل ميلادي كانت الحياة ؟ من يدري إنها قد تكون بعد الموت كما كانت قبلَ الميلاد من لا شيء ؟ وإني أتوجه بسؤال كهذا وأنا عاجز حتى عن الإجابة لماذا أنا أكتب هنا ؟ ولماذا أتساءل من الأصل ؟

نادى جدي المتألم في فراشه, اذهبوا بي إلى المستشفى, أريدُ الطبيب, حالاً وإلا سأذهب بنفسي, يقول إنه سيذهب بنفسه ! ثم يطلب من أحدنا أن يلبسه ثياباً يخرج بها ولم يتحرك في فراشه, يعلو صراخه, فيهدأ بدواء مُسكّن, ثم يصر على الذهاب للمستشفى , إنها ليست المرة الأولى التي نذهب به إلى هناك, قبل عامين قال طبيب لطبيب آخر :" ألا ترى سنَّه ! زُق زُق " تلكَ الكلمة التي أثارت حنقاً بين أبناء عمي متسائلين هل يكون هذا طبيباً ؟ أم حانوتا ؟ إنه لا يستحق أياً من الصفتين ! رغم إساءة الطبيب في التعبير فقد كان قاصداً أنه لا مجالَ للعناية به أو حتى إعطائه درجة من الاهتمام, إنه يرى الموتَ أولى به ! جدي نفسه لا ينكر هذه الحقيقة, لعلّه يتمنى الموتَ أحياناً ويستعجله أحيانَ أخرى وغير ذلك فإنَّ جدي يتمتع بروح رهفة وشهية مفتوحة تسعدُ بالحياة, تراه مرة يطلب بسكويتاً أو تمراً وعصيراً أو كباب _ جدي مولع بالكباب مذ كانت زوجة أبيه تطعمه رملاً في فمه إذا ما نطق بالكلمة ذاتها .. كفٌ من الرمل مقابل كلمة " كباب " .

وأتساءل ألا يمكن للإنسان أن يضعَ حداً لعمره إذا طال ؟ تماماً مثلما يضع حداً لأي شيء ! ألا يكون الموتُ عادلاً للعاجزين حقاً واجباً لهم ؟ يريحهم من ألم الإعاقة ومشقة التفكير ؟ ؛ لكني أتراجع أمام هذه الفكرة التي قد تبدو منطقية؛ لأنَّ الرحمة ستكون غطاءاً للجريمة, ومن قال إن في الرحمة راحة ؟! ألا يكون الموتُ عذاباً لا ندركه ؟ ثم من الذي سيضمن الموتَ ما دمنا لا نضمن لأنفسنا الحياة ؟!
وبعد عامين تخللهما مجموع زيارات لعيادات وأطباء متخصصين كلهم قالوا: لا علاج ولا أمل !, أدهشتني هذه العبارة, لأول مرة أسمع " لا علاج ولا أمل " من لسان طبيب وأكثر ! في عادة الأمر يقولون " الله كريم, الأمل في وجه الله " هذه المرة لم يذكروا اللهَ حتى, أليس الله موجوداً هنا ؟ كما كانَ يوم ميلاد جدي والكلُّ كانَ يقول " سيلحق بإخوته الثلاث ويموت بعد يومين لا أكثر ! " لقد ماتوا جميعاً وعاشَ جدي رغم ذلك, كانوا يسخرون من مرضه ثم ماتوا ولم يمت !
-
15-12-2012 ..





الأحد، 28 أكتوبر 2012

وَهُزّي إليكِ بِجِذع النّخْلّة ..


وَهُزّي إليكِ بِجِذع النّخْلّة ..


أما قولي هنا فأبدؤه بالتنويه إلى أني للتو أغلقت لعبة " Gta 4 " وهي لعبة الواقع الافتراضي, كثيراً ما لعبتها منذ سنوات ولم أكن أحب فيها إلا العمل كسائق تاكسي أو سائق إسعاف, والأولى لأنها مرتبطة بالواقع الغزي القريب, أما الثانية فهي أمنية لم تتحقق بعد وأظنها قريبة " أن تركب إسعافاً في أوج السرعة لإنقاذ شخص ما, وأهم ما في الأمر أن تسير بالطريق المخالف دون مخالفة قانونية بروح المغامرة الشرعية ". فكرة اللعبة قائمة على المهام الإجرامية من قتل واغتيال وسرقة, والمالُ فيها زينة الحياة, إما أن تكون قنوعا فترضى بالتاكسي أو تكون مجرماً يسرق ويقتل ويعتدي فيصيرُ ذا عزٍّ وجاه وتلاحقك الشرطة !

وأنا إذ قدمتُ قولي هنا عن هذه اللعبة, فذاك لأني " ألعبها " قريباً في الواقع بعد تخرجي من الجامعة في مدينة يملؤها اليأس ويتلاشى شبابُها أمام الواقع المرير سياسياً واقتصادياً ومعنوياً, ولها من كلِّ حسرة ومأساة نصيب, ليس منها شيءٌ سوى التهليل يوماً ويلوه تغريد, مدينتي تعرف جيداً كيف ترقص وتلهو ! ؛ لكنها بعدُ لم تتعلم كيف تعمل .. وأنا لا زلتُ غيرَ مؤمنٍ ببلدي, ولا مقتنعاً بها إلا فرضاً, ما أنا ملتزمٌ به لولا إيماني بالله, وأنا إذ كنتُ موجوداً هنا فتلك مشيئته التي أحمده عليها, راضياً عنه آملاً برضاه عني؛ وأزيد أني إلى الآن لا زلتُ أسبح في فلك اختياراته . أو اختياراتي ! في الواقع أعجز عن تحديد ذلك غالباً, وأقول الحمد لله .

ما وددتُ قولَه هنا أني الآن على مفترق هام جداً, تراودني أفكارٌ كثيرة وضيقُ الوقتِ يكاد يخنقني, وسعة التفكير محدودة , ومعارفي نادرة " الاجتماعية خاصة ", والنفس تقيدني بالاعتماد التام والكامل عليها لا أقول في كلِّ شيء فحسب! بل في أبسط الأشياء حتى " غير إعداد الطعام ", لا أعلم لماذا خصَّني الله بهذه الملكة؟ " والتبرير عندي ", هذه العقدة التي تمنعني حتى من طلب المعونة من أقرب الناس إليّ, ربما لأني أساوي بين الجميع ولا أقيم أي علاقة على أساس القربى التي ما اخترتها أو على أساس الحيز السكني وما شابه ! فلا أحدٌ ملزمٌ بي مطلقاً والله وعدني بقوله " أقربُ إليه من حبل الوريد " إنه الوحيد الذي يرقبني وأنا الطفل بين يديه يرسمُ له مستقبلاً وطريق, وبعلمه يؤكد لي " وفي السماء رزقكم وما توعدون" إنه يعرفني أكثر مني, لذلك أتوكل عليه وأحاول أن أعمل بقوله " أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزقٌ كريم ", في كلِّ آياته التي بها أؤمن أراه معي رغم تقصيري بحقه وتكاسلي عن بعض أمره.

هذا التقصير الفطري يجعلني متأخراً دائماً عن كلِّ شيء حتى الفَهم ذاته, يبدو أني لم أفهم بعدُ آيات الله في خلقه ! للتو وقد نفدَ الزيتُ من " مولد الكهرباء" خرجت للشارع, فالتقيتُ أحدَ المدمنين خارجاً من " المصحة " في إجازة العيد, وتعرفتُ منه على تجربة الإدمان, وقد بلغ من العمر الرابعة والعشرين دون عمل أو بيت أو ملهى بالخير ! إنه ببساطة " لا شيء " غير صورة إنسان يكسو الشرُّ جسدَه وفي ذاته نفسٌ نقية طاهرة وأزمة مجتمعية تحيطُ به وواقعٌ يدعوه إلى التغيير من نفسه ومحاولات في مجتمع فاسد* ! ( مقارنة بالمجتمع النقي, لا بالمجتمعات العالمية )  

وأسألُ الآن نفسي وأنا على حافة الثالثة والعشرين " سبب التدوينة هذه " ماذا لو كنتُ مكانه ؟! ولي أقرباء وأصدقاء وجيران يأسرهم الإدمان وتقيدهم الخطيئة وتحاصرهم نظراتُ الناس !.. لا.. لا.. كيف أسأل وأنا ذا خريج جامعي ولدي دراية في صيانة الحاسوب " تعلمتها من أخي " وأسعى لتعلم كلِّ شيء كلِّ شيء وأعمل !. أسخرُ من نفسي الآن وأقول كأني أنا صاحبُ هذا ؟ أو أني الذي أتيتُ به ؟ إنه فحسب فضلٌ من الله منَّ بهِ عليْ, لا يحق لي مطلقاً أنا أنسبه لنفسي وهو العدم نسبة إلى آخرين ! إذن ما الفرق ؟!

بالعودة إلى مضمون اللعبة, أقصد الواقع, دائماً ما يرنو الإنسانُ للأفضل من تحسين واقع المعيشة وتحقيق أحلام وطموحات, بالطبع إذا أفلح بتحقيق متطلبات حياته الأساسية هنا, ولأجل هذا بدأتُ الكتابة, فأنا الآن أمام مفترق سبق أن ذكرتُ أهميته التي لا ينكرها أحد, أنتَ الآن بحاجة إلى رزق كريم, تحقق به أبسط حقوقك ! عمل, بيت, حياة كريمة,  وإذ كنتُ ألقي بهذه الأساسيات إلى الهامش, وأميلُ إلى سرِّ وجودي على هذه الأرض, فهناك شيءٌ لا بدَّ وأخذه بعين الاعتبار " العمر والقدر " كلاهما لا يتعد الحروف الثلاث " فعل" مع اختلاف الحركات وبنفس الوزن والثقل الحياتي, ليس في الوقت متسع ولا أنا بالغيب عالم, لكني أتميز " بالإصرار" أعتقد أني ورثتها أباً عن جد, مثلَ هذه " الصلعة " التي بدأت ملامحها تظهر في شعري, والخيميائي زادتني قناعة, إما أن يكون أو لا أكون !

بعد تخرجي هذا العام زاد تحرجي من نفسي, إلى الآن لم أسعَ للبحث عن وظيفة أو لا أعرف البحث, ومردُّ ذلك أني لا زلتُ متمسكاً بفكرتي أنه من الممكن صناعة طموح كبير من بضع ورقات مالية وأفكار ! وما يخفف النار التي تحيط بي, واقع مؤسساتنا المكلوم, إما أن تكون ابناً لتنظيم ؟ أو أن تحرث عليكَ إحدى المؤسسات الخاصة ثلاث سنين مقابل شهرين بطالة ؟ أو أن تنتظر مكتب العمل ووكالة العوث لست شهور بطالة أيضاً ؟ هذا حالُ بلادي أو أن تعمل مساعداً لأبيك العاطل عن العمل؟ والدراج هنا " سائق فرشة " وما أنا عليه أفضل والحمد لله .. هذا الواقع وهذه التبريرات يخلقها المجتمع " شبابه ", بالمطلق لا أؤمن بها ولا أفكر أبداً لأنها واقع لايحتاج للإيمان بقدر ما يحتاج المحاولة والعمل الجاد .  

يقترح عليَّ أحدُ إخوتي بإكمال دبلوم تربية, لأكونَ مُدرساً ! ويغريني بالراتب الذي يتقاضاه العاملون في قطاع التعليم واستيعاب هذا القطاع للكثير من خريجي الجامعات !؛ أعلم إنَّ قلبه علي ويبحث عن مصلحتي, إنها فكرة ! لكنَّها قبيحة تتحكم فيها الحاجة للمال وإنكار للذات والابتعاد عن واقع الرغبة والإرادة, لا أنكر أني إلى الآن لم أحدد شيئاً مصيرياً ولم أتخذ قراراً حاسما في معظم أموري, إلا أني أتساءل لماذا فسد حالُ التعليم في بلادنا ؟ هل ينظر المعلم إلى تلاميذه كصفقة ؟ أو مشروع استثمار ؟ إذن لماذا تنتشر مراكز التعليم الخاصة بضعفي عدد المدارس وربما أكثر ؟!.
 المالُ والبنون زينة الحياة الدنيا ؟ إذن لماذا تكون الغالبية العظمى من أهل الأرض فقراء ؟ ورقابهم معلقة بالصدقات؟ ببساطة إنهم لا يفكرون ولا يتوكلون. ولماذا يتسم الأغنياء بالأنانية والتكبر والطغيان ؟ ذاك لأنهم فقراء أيضاً .. كلُّنا إلى الله فقراء .. وكلنا لله وإليه راجعون !

إذن هل المالُ غاية أم وسيلة ؟ سؤال أحمق يعرفه كلُّ إنسان تميَّز بالعقل والحكمة ودماثة الخلق وكرم النفس, لكنَّ ظروف الواقع تفرضُ على الناس أشياء تكرهها, وأرى أنها التي وضعت نفسها في مأزق هذا, تحتاج قبل الغرق في أوحاله أن تنظم  نفسها وتُعد أبناءها إلى الحياة المستقيمة المتوازنة القائمة على أسس واضحة وحدود يعرفها الجميع .
وأنا الآن أفكر وقد عملت " وسع نفسي " في تحديد طريق أو مسار أمضي عليه بين إكمال التعليم ؟ أو الاستمرار في عمل لا يوفر أبسط المصروف ؟ أم أن أستمر في البحث الذي آمنتُ أنه غير مجدي ؟ ولا يتناسب مع الكرامة الإنسانية في أبسط حقوقها " الابتسامة صدقة ", هذه الخيارات كلها لا تنفعني الآن, لأنّ الوقود المادي لا يساعد ! " فكرتي " التي عملتُ عليها قرابة أعوام خمسة! وقد بدأت ملامحها تبصر النور متوقفة ! بل تحتاج إلى إعادة تأهيل وتمهيد " كما قلت الوقت لا يسمح ".

إذن ؟.. على الأقل أنا لن أهتم للمظاهر ولا يعنيني أن أعمل أيَّ شيء في سبيل المضي بالطريق الذي وهبه اللهُ لي, متوكلاً عليه, مؤمناً بقوله " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق " وأنا قد أنجبت فكرة لن أقتلها إن شاء الله, مقتنعاً بها كلَّ الاقتناع " قد تكون حماقة, وقد أكون جاهلاً وقد أكون غبياً " لا يهم, المهم أني هنا لأجل هذا وإني " أحرص على ما ينفعني وأتوكل على الله ولن أعجز " ..

فيما ذكرت ليلة الاثنين هذه الموافقة لـ " 28-10-2012 " أنَّ معرفتي الاجتماعية محدودة ! قد لا تكون كذلك وإنما قصدي أني أقيم علاقاتي وفق إرادتي الحرة المتناسبة مع ذاتي دون اعتبار لأي عصبية عائلية, قبلية, جغرافية, مذهبية, أو أي شكل من أشكالها, وإنما أعتمد في ذلك على حرية الاختيار " فلينظر منكم من يخالل " والحمد لله لي صديق من كلِّ جانب وهناك جوانبُ لم أجدها بعد, آمل أن أعثر عليهم قريباً .. وأساس الصداقة يكون على انتفاء المنفعة المادية بالأصح ولا أقصد الشراكة العملية وهذه مشكلتي " إذ أفشلُ حتى الآن في إيجاد الصديق العامل " ووفقني الله بالأصدقاء العارفين والمثقفين والمدركين والمشاركين لي بكثير من الأفكار.. أهنئهم برابع أيام عيد الأضحى المبارك .. وأذكر نفسي : إن النساء إذا دخلن قرية أفسدنها وكذلك يفعل المالُ بينَ الأصدقاء ..
------
عديتي لكم هذا النشيد , وآمل أن يعجبكم .. " في أطهر أرض قلبي .. قد طافَ ولبى الله "
------
كنتُ أودُ نشر مدونات على حاسبي وقصص قصيرة هنا ولكن الوقت بي يضيق .. والمدونة تحتاج إلى ترتيب وتنظيم كذلك حياتي هذه وغرفتي ..