غزة بلا كهرباء (الحلقة الأولى)
الساعةُ الثالثةُ مساءً وبضعُ دقائق.صَلَيْنا العَصْرَ بالمسجدِ والحمدُ للهِ ,عُدْنا للمنزلِ كالعادةِ, لا مكان لنا سوى الحاسوب الذي مَلْنا وَسَئِمَ جُلُوسَنا مَعَهُ إلا أنه سَبِيلَنا الوَحيدْ رُبْما والصّديقُ الأعزُ علينا والذي من خلالِهِ نَرْمي هُمومَنا حيثُ لا يَسْمَعُ بُكاءَنا أحدٌ أو حتى يرى ضَحَكاتِ الأسى والمعاناةِ , ما أن فتحت الجهاز وفتحت بريدي الالكتروني وبدأت أكلم أحد الأصدقاء لي في الأردنِ الشقيقِ إلا ودقائق يُقطَعُ التيارُ الكهربائي قبلَ 45 دقيقة من الموعدِ المحدد, وقتها شعرت بشئ من الغضب لما نحن فيه من حياة ذل وحرب أعصاب , إلا أن الله سبحانه مَنَّ عليَّ أنني وقتَما أغضَبْ لا أجِدُ إلا الأكل طريقٌ لي أعبرُ من خلالِهِ عَنْ غَضبي والحمدُ للهِ على هذه النعمة ,فهناك من لو كان محلي ربما قَدْ كَسَرَ حاسُوبَه على الأقلِ فهذه حربُ أعصاب يُمارسُها العدوُ الصُّهيوني علينا . بعدما أكلت ما قد قسم الله , قضيت باقي الوقت نائما فالجدول الذي أمضي عليه بات لا فائدة منه وعليّ أن أبحث عن سبيل أخر امضي عليه , إستيقظت عشاءً خرجت من المنزل وسوادُ العُتمةِ يُخَضِّبُهُ إلا أن شيئاً من ضوء القمر كان يزيل القليل من تلك الظلمة , فلا شموع إلا من النوع الذهبي الذي سرعان ما يحترق ولا وقود لإشعال اللامبة التي تعمل على الكاز ولا غاز للطهي لكي نشعل المصباح الغازي (الشمبر), حينما خرجت كالعادة أيضاً ,وقتُ انقطاعِ التيارِ الكهربائيِ تجد كل ساكني الحي الذي اقطنه مجتمعين جالسين على أبواب بيوتهم او على الأرصفة, فأين يذهبون ؟ ,وجدت أبناء جيرتي جلست معهم قليلاً لأني مللت تلك الجلسة دعوتهم لأن نبحث عن سبيل آخر نزيل به هذه الظلمة المتمثلة بظلمة الكهرباء أولاً وظلمة الملل والوضع النفسي السيئ جداً إلا أنَّ برودةَ الطقسِ كان لها الكلمةُ الأولى والأخيرة والتي منعتهم من أن يأتوا معي حيثُ لا أدري ,قررت أن أذهب وأمشي في شوارع مدينة غزة عسى أن تحمل هذه الشوارع شيئا من همومنا , وفي الطريق ألاحظُ نظراتِ الناسِ تَضْحَكُ وفي داخلها حُرْقَةٌ تَكادُ تُشْعِلُ أجسادَهم إلا أنّ دَمْعَ العينِ الخفيِ يُطفِئُها ,وقتها آمنتُ بمثلٍ عربي سَمِعْتُهُ مِن جَدَتِي رَحْمَةُ اللهِ عليها بلغتها العامية وهي تقول ( همم ببكي وهم بيضحك ) فعلاً كثيراً نرى هموماً تبكي واليوم قد اعتدنا هموماً تُضْحِكُ عَضَلاتِ الوَجهِ وتُحرقُ القلبَ , وبعد مشوار طويل نسبياً وصلت منزل أحد أصحابي
كان بجواره حفل (سهرة شباب بمناسبة حفل الزفاف) اتصلت عليه وجدته بتلك الحفلة هاجراً لمنزله الذي لا لون فيه إلا الأسود ايضاً ذهبنا لمنزله المجاور شربنا كأساً من الشاي على ضوء القمروتناولنا شيئاً من الحديث لم يكن بعيداً عن الوجبة الأساسية المعروفة لدى أبناء غزة وهي أحاديث السياسة والتي لا يخلوا حديث بين إثنين منها , مللنا الحديث وقررنا الذهاب الى الحفلة المجاورة والتي كان بها عدد من الناس ليس بالمعتاد ولا بالمتوقع أيضاً فلا تعرفُ من أيِ منطقةٍ هم . عدت للمنزل انتظرت التيار الكهربائي عند موعده إلا أنه كالعادةِ يُخلِفُ الميعاد , انتظرنا شيئاً يمكن اعتباره قليل نسبةً للفترةِ التي قضيناها بدونه , وأتى والحمد لله هذه كانت الليلة الأولى من بعد قرار منع امدادات الوقود لمحطة كهرباء غزة ,,, إنتظرونا بالحلقات القادمة ان شاء الله .
2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق